المشاكل لا تأتى فرادى! فنحن بسبب الانخفاض فى مواردنا من النقد الأجنبى سنكون مضطرين للقبول بانخفاض فى سعر الجنيه المصرى . . وهذا الانخفاض سوف يؤدى بالضرورة إلى زيادة فى معدل التضخم . . فهو سيمنح صادراتنا للخارج ميزة تنافسية فى الأسواق العالمية، لكنه فى ذات الوقت سيزيد من أسعار الواردات الأتية من الخارج مقومة بالجنيه المصرى، وبالتالى سيزيد من أسعار السلع بالنسبة للمستهلكين . وياليت الأمر سوف يقتصر على ذلك فقط . . إنما آثار انخفاض سعر الجنيه سوف تطول أيضا تكلفة الإنتاج بالنسبة للمنتجات التى نستورد خاماتها من الخارج، وهذا معناه زيادة فى أسعار السلع التى ننتجها فى الداخل وبالتالى لن تقتصر الزيادة فى الأسعار على الواردات فقط . . كما أن الزيادة فى أسعار السلع المدعومة سوف تؤدى إلى زيادة فى الدعم، أى زيادة فى عجز الموازنة فى نهاية المطاف . وهذا الارتفاع فى التضخم سوف يدفع البنك المركزى إلى رفع أسعار الفائدة على الودائع والقروض أيضا . . وبالتالى ستزيد تكلفة الإقراض للمستثمرين، مما سيحمل معه زيادة أخرى فى تكلفة الإنتاج، سوف تؤدى فى نهاية المطاف إلى زيادة أخرى فى أسعار المنتجات المصرية ليزيد التضخم مرة أخرى . وفى ظل هذه المشاكل المركبة لا يكفى الجهد الذى يقوم به البنك المركزى وحده فى إدارة السياسة النقدية من أجل خفض التضخم . . صحيح أن الواجب الأساسى للبنوك المركزية هو السيطرة على التضخم . . لكن البنوك المركزية لا تفعل ذلك فى ظل مناخ أو أوضاع تحض على هذا التضخم وتصنعه وتشعل نيرانه . باختصار سوف يفعل البنك المركزى كل ما فى وسعه فى السيطرة على التضخم، والمحافظة على بقاء سوق الصرف من المضاربات والاعيب المضاربين . . لكن ليس فى وسعه شيئا يفعله فى ظل الانخفاض المستمر والمتوالى فى مواردنا من النقد الأجنبى . . البنك المركزى سوف يصنع من الفسيخ شربات، كما سبق أن فعل ذلك من قبل، ولكنه فى ظل عدم توافر الفسيخ ذاته لن يكون فى مقدوره أن يفعل شيئا . وتلك هى أصل المشكلة وبداية الطريق إلى الحل . . أصل المشكلة التى بدأت تواجهنا ونخشى أن تتفاقم مستقبلا لأننا بدون موارد كنا نحصل عليها من النقد الأجنبى سوف نتعرض لحملة مشاكل جمة ومتنوعة، أقلها زيادة تكلفة الإنتاج وأكبرها زيادة التضخم . . وبداية الطريق لحل مشاكلنا لأنه بدون زيادة مواردنا من النقد الأجنبى سيكون وضعنا الاقتصادى شديد الحرج للغاية . . ففى غضون شهرين استهكلنا نحو ستة مليارات من الدولارات من احتياطياتنا من النقد الأجنبى وانخفضت هذه الاحتياطيات إلى 30 مليار دولار تكفى لتغطية وارداتنا نحو عشرة أشهر فقط . وهكذا بدلا من أن نبدد جهودنا فى الخلاف الدائر الآن حول رفع أو تثبيت سعر الفائدة على الودائع والقروض فلنوجه هذه الجهود إلى وقف الانخفاض فى مواردنا من النقد الأجنبى . . وهذا سوف يتحقق فقط إذا استعدنا تدفق السياحة الأجنبية إلى معدلاتها،، وإذا بدأ الانتاج ينتظم مرة أخرى فى مصانعنا ومنشآتنا . . بالعمل فقط سوف نتغلب على مشاكلنا . عبدالقادر شهيب