إذا كانت المصالحة الفلسطينية، مطلبا حيويا وملحا في المرحلة الحالية بعد التعثر الواضح في سير المفاوضات المباشرة وما يحيط بها من إلغام موقوتة، فإن الحراك الفلسطيني الحالي بشأن تصدير المشكلة برمتها إلي المحافل الدولية لا تقل أهمية، خاصة بعد اليأس الذي دب في أوصال القيادة السياسية الفلسطينية مما يصدر عن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ومفاجآته السخيفة من حين لآخر وآخرها اصراره علي اقرار قانون الولاء الذي يعد التفافا واضحا علي الاعتراف المباشر بيهودية الدولة والذي ترفضه السلطة الفلسطينية من حيث المبدأ إذ ينسف هذا الاعتراف هوية اللاجئين وقضيتهم في العودة إلي أراضيهم من الأساس. وفي هذا الإطار تركز القيادة الفلسطينية الموشكة علي اليأس في التوصل إلي اتفاق تفاوضي مع إسرائيل بشأن حل الدولتين، بشكل كبير علي كيفية دفع المؤسسات والمحاكم الدولية إلي إعلان دولة فلسطينية في الضفة الغربيةوغزة والقدس الشرقية، حتي وإن كان يبدو هذا الأمر مستعصيا في الفترة الحالية، نظرا لتوجه الاهتمام الأمريكي والدولي لدفع المفاوضات المباشرة مع إسرائيل رغم مظاهر الفشل الواضح الظاهرة عليها. وتتلخص الفكرة التي تمت مناقشتها في المنتديات الرسمية وغير الرسمية عبر الضفة الغربية في مناشدة الأممالمتحدة ومحكمة العدل الدولية والموقعين علي معاهدات جنيف لمعارضة الاستيطان والاحتلال الإسرائيلي للوصول في النهاية إلي نوع من التأكيد العالمي للدولة الفلسطينية التي ستكبل أيدي إسرائيل. ولقيت هذه الخطة تأييدا واسعا نتيجة لتوقف محادثات السلام التي ترعاها الولاياتالمتحدة بسبب استمرار بناء المستوطنات. وما يدور النقاش حوله في الوقت الراهن هو الحصول علي وعد أمريكي بمعارضة أي إعلان خارجي للدولة الفلسطينية وغالبا ما يشار إلي الاستراتيجية الفلسطينية علي إنها إعلان احادي للدولة، غير أنهم أي الفلسطينيين كانوا قد أعلنوا دولتهم قبل عشرين عاما وأدركوا أن مجرد الإعلان عنها سيكون له تأثير طفيف، لذا فهم سيسعون للحصول علي ما يمكن أن يسمي إعلانا متعدد الأطراف بمباركة الأممالمتحدة حتي يكتسب الشرعية المنشودة، خاصة وأن الفلسطينيين لا يملكون أوراق تفاوضية قوية، لكنهم يرغبون في اقناع العالم باتخاذ موقف والحصول علي اعتراف بالدولة الفلسطينية، ومن بيع المساعي الفلسطينية الأخري اللجوء إلي المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي فمثلا الأسبوع الماضي استمع المدعي العام في المحكمة إلي شهادات ثمانية أفراد أربعة من كل جانب حول امكانية الاعتراف بالسلطة الفلسطينية من قبل المحكمة في اتهاماتها الموجهة ضد الانتهاكات الإسرائيلية في حرب غزة أواخر عام 2008 وأوائل 2009 حيث تنص بنود المحكمة علي السماح للدول فقط برفع القضايا أمام المحكمة. وكان من الطبيعي أن يرفض المسئولون الإسرائيليون هذه الخطوة ويصفونها بأنها غير مقبولة، وانتهاك لاتفاقات أوسلو الحاكمة للعلاقات الإسرائيلية الفلسطينية، وهي من وجهة نظرهم خطوة ستعوق أي جهود تقوم بها إسرائيل للحفاظ علي المستوطنات والتفاوض حول الحدود المعدلة لكن ذلك لم يمنع قلق إسرائيل التي تري بوضوح عدم دعم أي حكومة في العالم لسياستها الاستيطانية وهي تخشي من دعم اغلب دول العالم ومن بينها دول أوروبا للفلسطينيين. وتحاول إسرائيل في هذا السياق التأثير علي إدارة الرئيس باراك أوباما لاتخاذ موقف علني أكثر صلابة ضد الاستراتيجيةالفلسطينية الجديدة غير أن واشنطن لم تظهر حتي الآن أي نيات للقيام بذلك، غير تأكيدها المستمر بأنها لم تفقد الأمل في التوصل إلي اتفاق سلام شامل، وامكانية قيام دولة فلسطينية عبر جهود السلام المتواصلة، فهي تري أن أمن وكرامة الشعبيين يكمن في المفاوضات التي تنتج دولتين تعيشان جنبا إلي جنب في سلام وازدهار وسلام شامل في المنطقة. ويعرف الفلسطينيون جيدا أن خيار إعلان دولة فلسطينية مع وصاية دولية سيكون نظريا، إذ ستكون هناك دولة وقرارات لكن لا وجود لها عمليا وواقعيا، غير أن هذا الطرح جاء في ضوء الصعوبات الحالية والارتباك الحاصل في الساحة الفلسطينية، لكن الخيارات والبدائل الأخري طالما بقي الاحتلال فهي مازالت مطروحة، ويبقي السؤال ما هي الخيارات التي ستلك وهذا يتطلب بحثا عميقا لايجاد الخيارات المناسبة، ومن ضمنها خيار المقاومة الذي بات ملحا في هذه المرحلة، وهو ملف مفتوح ولا يملك أحد أن يغلقه طالما هناك احتلال!!