في مقالة سابقة أكدنا أن هناك مؤشرات ستبدأ في الظهور بنهاية هذا العام، ستمثل الاشارة لدخول اقتصادنا القومي في مرحلة حرجة، ترتفع فيها احتمالات تدني تصنيفه بدرجة مؤسفة إلا أن المؤشرات قد بدأت في الظهور المبكر، ولم تنتظر لنهاية العام، بل بدأت خلال الربع الأول من العام الميلادي الحالي فقد شهدنا نهاية مارس الماضي تساوي حجم الدين المحلي مع حجم ودائع العملاء، وبدأ نمو حجم الدين المحلي بمعدلات تفوق معدلات نمو الودائع. وفي ظل تمويل البنوك لمعدلات نمو الدين المحلي فإن هذا الوضع سيؤدي لجفاف السيولة المتاحة بالبنوك المصرية والدخول في مرحلة تعثر أشد وبكثير من حالة التعثر التي عاني منها جهازنا المصرفي المصري في بداية هذا القرن. وقبل العرض لهذا المؤشر الخطير فلابد من سرد أسباب الأزمة الحتمية الوقوع لأننا قد حذرنا منها مبكراً وتحديدا خلال عام 2008 ولابد من الشروع في اتخاذ إجراءات عاجلة لمواجهتها لأن الوضع جد خطير. أولا: بداية الأزمة بدأت الأزمة عندما ارتفعت أسعار الغذاء العالمية فارتفعت معها معدلات التضخم العالمية وتأثرت بها مصر بالطبع وبدأت معدلات التضخم في الارتفاع حتي وصلت لأقصاها في أغسطس من عام 2008 عندما بلغت 6.23% ونظراً لأن البنك المركزي المصري هو المسئول عن إدارة السياسة النقدية فقد قام بإعطاء البنوك مجموعة من الإشارات تمثلت في الارتفاع بأسعار الإيداع لديه والاقتراض منه لكي تقوم البنوك برفع أسعار الفائدة علي الودائع فيخفف البنك المركزي من حدة الضغوط التضخمية علي المواطن المصري إلا أن البنوك لم تستجب لاشارات البنك المركزي المصري بالشكل الواجب نظرا لتوافر سيولة ضخمة بالبنوك تجد طريقها وبصعوبة في الاستثمار بأدوات قصيرة الأجل بالكاد تغطي تكلفة الموارد المستثمرة بهذه الأدوات مع تحقيق عائد أو هامش ربح بسيط، ومع تكرار إشارات المركزي وعدم استجابة البنوك لهذه الاشارات، ومع شكوي المودعين وخصوصا القطاع العائلي "والذي تشكل حجم ودائعه أكثر من 70% من حجم ودائع العملاء بالبنوك المصرية بعد خصم ودائع القطاع الحكومي والتي بات إيداعها قصرا علي البنك المركزي المصري" فقد بدأت بنوك القطاع العام في اصدار شهادات ادخار للقطاع العائلي بأسعار فائدة بدأتها ب 12% ثم أخذت في تخفيضها لأن هذه الأسعار شكلت ضغطا كبيرا علي مراكزها المالية، وقد كان عدم قدرة البنك المركزي المصري علي رفع سعر الفائدة بالبنوك بالشكل الواجب سببا في جعل سعر الفائدة سلبيا خلال عام 2008 مما أدي إلي نتائج في منتهي السلبية أهمها: 1- الارتفاع بأسعار الإيداع بالمركزي وكذا الاقتراض منه لم يؤثر علي قرار البنوك برفع سعر الفائدة، بل أثر علي عبء خدمة الدين المحلي وبشكل مثل عبئا كبيرا علي الموازنة العامة للدولة، لأن كل رفع 1% لسعر الفائدة أضاف عبئاً علي خدمة الدين بقيمة لم تقل عن 5.6 مليار حجم في المتوسط لأن الدين المحلي بلغ في نهاية العام المالي 2006/2007 ما قيمته 2.637 مليار جنيه وبلغ في نهاية العام المالي التالي 2007/2008 ما قيمته 8.666 مليار جنيه. 2- استمرار سعر الفائدة سلبياً طوال عام كامل أدي لتآكل ودائع العملاء وخصوصا ودائع القطاع العائلي وبصفة خاصة الودائع الصغيرة. ولابد هنا من الإجابة عن سؤال قد يتبادر إلي ذهن القارئ، وهو: هل كان يمكن للبنك المركزي أن يجعل البنوك ترتفع بسعر الفائدة للحد الذي كان يرغبه؟ والإجابة علي هذا السؤال هي: نعم.. كان يمكن للبنك المركزي وبسهولة أن يجعل البنوك ترتفع بسعر الفائدة فلديه نسبة السيولة والاحتياطي اللتان لو قام بتعديلهما بزيادتهما، أو علي الأقل زيادة نسبة الاحتياطي، لتحقق له ما أراد لكن هذا لم يحدث لأسباب غير مفهومة! فكان ما كان خلال فترة ارتفاع معدلات التضخم.. ثانيا: الخطأ الفادح: عندما بدأت الأزمة العالمية كان تأثيرها الإيجابي الوحيد هو انخفاض أسعار السلع والخدمات، وهو ما أدي لانخفاض معدلات التضخم عالميا، وأدي أيضا لانخفاضها في مصر إلا أننا ومع انخفاض معدلات التضخم فوجئنا بالبنك المركزي المصري يخفض من أسعار الفائدة علي الايداع لديه والاقتراض منه وهو ما هرولت منعه جميع البنوك وخفضت من سعر الفائدة علي الودائع.