رغم أن مانشيتات الصحف تقول إن الاضرابات العمالية لم تتحول بعد إلي وباء عالمي إلا أن مجلة "الايكونوميست" تري أن ما هو أسوأ لم يحدث بعد وأن عدم الاستقرار العمالي سيهدد قطاعات إنتاجية كثيرة عندما تبدأ عمليات خفض الانفاق المقررة في كثير من الدول.. وتتساءل المجلة: هل العالم يعود إلي عصر حرب الطبقات والمنازعات الصناعية بين ضحايا الركود وبين قادة الشركات عديمي الرحمة، وتجيب المجلة بأن هذا قد بدأ يحدث بالفعل في كثير من الدول الفقيرة والغنية علي حد سواء. ومعروف أنه قبل سحابة بركان ايسلندا التي أربكت حركة الطيران في أوروبا كان المسافرون عبر مطارات القارة يعانون من اضراب العاملين في بعض شركات الطيران الأوروبية مثل بريتيش ايروايز التي استمر اضراب عمالها أسبوعا في مارس الماضي وكذلك الشركة الوطنية الألمانية لوفتهانزا. كما أضرب عمال السكك الحديدية في فرنسا تقودهم نقاباتهم ذات التوجه الشيوعي. وفي بريطانيا أمكن في اللحظة الأخيرة تجنب اضراب لعمال السكك الحديدية خلال شهر أبريل هو الأول من نوعه منذ عام 1994 عندما قضت المحكمة بعدم قانونيته. ومع ذلك فقط اضطربت الحركة في شبكة مترو لندن. وفي يوم 21 أبريل احتجت الصحف الفرنسية عن الصدور بسبب اضراب عمال الطباعة وهو الاضراب الرابع من نوعه خلال هذا العام. وإلي جانب ذلك تتبادل النقابات الوفود الزائرة من أجل التضامن بين العمال في بلدان كثيرة من بريطانيا إلي الولاياتالمتحدة إلي المكسيك. أما الشركات فهي تشعر بوطأة ما يقع من اضرابات عمالية حتي خارج بلادها. فشركة جنرال موتورز أوقفت العمل في بعض مصانعها بسبب اضراب عمال شركة ريكو الهندية لصناعة مكونات السيارات. ولاتزال فرنسا تحتفظ بسمعتها القديمة كبلد للكفاح العمالي العنيف وقد انعكس هذا واضحا علي اضراب عمال شركة كونتنيننتال لصناعة إطارات السيارات (كما هو مبين في الصورة) وفي فنلندا أدي اضراب البحارة إلي شل حركة الصادرات الفنلندية. وفي بريطانيا يسود حالة من التوجس العمالي بعد فوز حزب المحافظين وتشكيل حكومته الائتلافية مع الديمقراطيين الأحرار خصوصا أن هذا الحزب كان يتهم الحكومة العمالية السابقة بأنها تدلل النقابات. ورغم هذا كله فإن هناك من يري أن العلاقات الصناعية لم تتردي بعد إلي ما كانت عليه قبل عقدينة أو ثلاثة من الزمن ومن هؤلاء بول نواك منظم مؤتمر النقابات العمالية البريطاني. والحقيقة أن الاحصاءات والأرقام تؤيد وجهة نظره ففي كل البلاد الغنية تتراجع عضوية النقابات العمالية كما يتراجع عدد ساعات العمل التي تضيع في الاضرابات كذلك ذهبت إلي غير رجعة فيما يبدو تلك الأزمنة التي كانت النقابات فيها تملك من النفوذ والنقود ما يمكنها من تنظيم وتمويل اضرابات عمالية كبيرة وطويلة الأمد. وحتي في بلاد مثل المسيكيك تندلع هذه الإضرابات بتأثير اليأس وليس بقوة العمل النقابي وقد أدي الركود الأخير إلي مزيد من التدهور في قوة ونفوذ النقابات فالركود يثير حنق العمال ولكنه يضعف أيضا قدرتهم علي المساومة. ففي بريطانيا علي سبيل المثال هبط عدد أيام العمل الضائعة في الإضرابات إلي 460 ألف يوم فقط عام 2009 بعد أن كان 1،04 مليون يوم عمل ضائع في 2007 ونحو 29 مليون يوم في عام 1979 أي أن نسبة الهبوط بلغت 98% أو يزيد عما كانت عليه الحال منذ ثلاثين سنة وفي الدانمارك حدثت زيادة طفيفة في إضرابات الممرضات وعمال الرعاية الصحية في 2008 ولكن عمال الصناعة وافقوا في أبريل الماضي علي اقتراح نقاباتهم بقبول زيادة صغيرة في الأجور هذا العام متخلين عما كانوا يطمحون إليه من زيادات كبيرة وفي بولندا لم يتجاوز عدد العمال الذين أضربوا 13 ألف عامل في 2009 وكان الرقم يناهز 208 آلاف عامل في 2008 ورغم أن الهند مشهورة بكثرة إضراباتها العمالية فإن عدد أيام العمل التي فقدتها في الاضرابات بين يناير ونوفمبر 2009 لا يزيد علي 10%من المتوسط السنوي لما كان يحدث في السنوات الخمس السابقة