كثيرا ما تكون الانباء الطيبة بالنسبة للعمال أنباء سيئة بالنسبة لارباب الاعمال ولكن هذه ليست قاعدة فبعض ما يسر العمال يسر ايضا ارباب الاعمال.. وفي هذه الايام يتلقي عمال اوروبا بعض الانباء الطيبة.. ففي المانيا علي سبيل المثال تراجع معدل البطالة في يناير الماضي الي 7.4% اذا استخدمنا المعايير العالمية ولكن استخدام تعريف مكتب العمل الالماني للبطالة جعل النسبة تقفز في فبراير الي 9.3% وفي الحالتين فان معدل البطالة الالماني يعتبر مرتفعا ولكنه علي اية حال آخذ في التناقص، وتقول مجلة "الايكونوميست" ان عدد العاطلين الالمان نقص في العام الماضي بمقدار نصف مليون شخص ونتيجة لذلك بدأت النقابات الالمانية تطالب بزيادة الاجور ومنذ ايام اعلنت اكبر النقابات الالمانية (IG) ميتول عزمها علي المطالبة بزيادة الاجور 6.5% اعتبارا من اول ابريل القادم وتشمل هذه الزيادة 3.4 مليون من عمال الصناعات الهندسية والكهربية وتعد اجرأ زيادة - اذا حدثت - في السنوات الخمس الاخيرة. وتري سيلفيا بيبينو خبيرة (JP) مورجان ان اسواق العمل في حالة توتر في اماكن اخري عديدة ففي ايطاليا تطالب النقابات بزيادة الاجور هذا العام 3.1% بعد ان زادت 2.8% في عام 2006 وفي منطقة اليورو عموما كان معدل البطالة 7.4% وهو معدل لا ينتظر معه حدوث ضغوط تضخمية شديدة اما في امريكا فكان معدل البطالة في يناير الماضي 4.6% وينتظر ان يواصل انخفاضه خلال العام الحالي. والقضية ليست هي زيادة الاجور لان الاهم هو نسبة زيادتها وتأثير ذلك علي الاسعار ووسط موجة المطالبة الاوروبية بزيادة الاجور سيلجأ البنك المركزي الاوروبي لا محالة الي مواصلة رفع اسعار الفائدة من اجل تطويق الضغوط التضخمية.. ولكن الوضع في امريكا مختلف لان النمو يتباطأ ولا توجد في الافق احتمالات لمزيد من الضغوط التضخمية ناهيك عن ان بنك الاحتياط المركزي الامريكي لا يري وجود علاقة قوية بين التضخم وبين التغيرات التي تطرأ علي معدل البطالة. ولسنوات عديدة كان نصيب العمال من الكعكة الاقتصادية يتآكل في كثير من البلدان الغنية وتذكر ارقام منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ان نصيب الاجور في قطاع الشركات الامريكية قد تراجع في ال25 سنة الاخيرة من 73% ليصبح 63% فقط اما في فرنسا وايطاليا فقد هبط نصيب الاجور من 80% ليصبح نحو 60% خلال نفس الفترة رغم انه يتصاعد ببطء منذ عام 2000، وفي المانيا هبط نصيب الاجور من 70% ليصبح 60% او اقل في السنوات القليلة الاخيرة. ولاتزال القوي التي ادت الي تراجع الاجور تعمل بهمة.. وهذه القوي في رأي ستيفن روتش كبير الاقتصاديين في مورجان ستانلي هي تقلص عضوية النقابات وضعف قدرتها علي المساواة، ودخول عمال الصين والهند الي سوق العمل العالمي، وتقدم تكنولوجيا المعلومات التي تقلل الطلب علي العمالة في الانتاج والخدمات، ولكن روتش يري تحركا سياسيا لزيادة الاجور يحدث في كثير من البلدان، فالكونجرس الامريكي يتجه الي زيادة الحد الادني للاجور وذلك لاول مرة منذ عام 1997.. وفي المانيا يتحرك اتحاد العمال (IG) ميتول بقوة لزيادة الاجور معتمدا علي ازدهار الصناعات الهندسية الالمانية ويتوقع المراقبون الا تقل هذه الزيادة عن 4% ولكن الصناعات الهندسية لا تعتبر في العادة مثالا يحتذي فيما يخص زيادة الاجور علي مستوي الاقتصاد الالماني كله بل كثيرا ما تكون زيادة الاجور في القطاعات الاخري اقل من زيادتها في قطاع الصناعات الهندسية وغالبا ما تكون زيادات قاصرة عن ملاحقة معدل التضخم، والادهي من ذلك كما تقول مجلة "الايكونوميست" ان تسوية الاجور لم تعد سياسة مركزية لان سوق العمل الالماني صار الان اكثر حرية وقد تراجع عدد الاتفاقات الملزمة بزيادة الاجور من 627 اتفاقا في عام 1995 ليصبح 446 اتفاقا فقط في عام 2006 وذلك حسب تقديرات معهد الابحاث الاجتماعية والاقتصادية الالماني وهو معهد تابع لنقابات العمال، فعمليات اعادة هيكلة الاقتصاد الالماني ادت الي زيادة عدد العمال المؤقتين والعاملين لبعض الوقت وهي قطاعات من العمالة لا تحظي سوي بالقليل من الحماية النقابية اذا قارناهم باصحاب الوظائف والاعمال الدائمة. وهكذا يمكن القول بأن شراهة العمال ربما تكون قد زادت ولكنهم لايزالون قوة بلا اسنان وتبعا لذلك فان الشركات الاوروبية تتوقع طلبا قويا علي منتجاتها يمتعها بعام اخر من الزيادة في الارباح.. ولكن الشركات الامريكية لا تتطلع الي نفس الامل لان الاقتصاد الامريكي يتباطأ.. لقد ظلت الشركات الامريكية لنحو ثلاث سنوات ونصف السنة تجني ارباحا عالية وكان معدل النمو في ارباح شركات مؤشر (S&P500) خلال تلك الفترة معدلا لا يقل عن 10% بأي حال اما في الربع الحالي فان معدل النمو لن يزيد علي 4% سنويا في ارباح شركات هذا المؤشر. بقي ان نقول ان هذا يجب الا يحجب عن اعيننا حقيقة ان ارباح الشركات لاتزال تمثل نصيبا قياسيا في اجمالي الناتج المحلي وان اجور العمال لاتزال تتراجع وان زادت فلا تزيد الا ببطء شديد، ولكن الامر الذي لاشك فيه هو ان زيادة الوظائف ونمو الاجور امران ضروريان لاستمرار الزيادة في طلب المستهلكين، ففي امريكا ادي ارتفاع معدل التشغيل وزيادة الاجور الي دعم الاقتصاد القومي حتي بعد الهزة التي اصابت قطاع التشييد والاسكان اما في اوروبا فان كبح الزيادة في الاجور ادي الي خفض التكاليف وزيادة معدل التشغيل ولكنه ابقي انفاق المستهلكين عند مستوي منخفض، ومن المؤكد ان زيادة الاجور ولو قليلا في اوروبا ستؤدي الي زيادة انفاق المستهلكين وهذا امر لن يكون في صالح العمال وحدهم وانما في صالح ارباب الاعمال ايضا.