منذ ايام وتحديدا يوم 5 فبراير الحالي اعلن تيتو مبويني محافظ البنك المركزي في جنوب افريقيا ان اقتصاد بلاده الذي يعد اكبر اقتصاد في افريقيا سيعيش ظروفا اقتصادية صعبة خلال السنوات الثلاث أو الاربع القادمة وان علي القادة السياسيين للبلاد ان يصارحوا الناس بذلك، وهكذا تبخرت آمال البعض في نجاة اقتصاد جنوب افريقيا من العواصف التي تهب علي العالم حاليا. وتقول مجلة "الايكونوميست" إن البنك المركزي الجنوبي افريقي قرر في نفس اليوم خفض سعر الفائدة بنسبة 1% وهو اكبر تخفيض من نوعه منذ عام ،2003 وذلك في محاولة لتحفيز النمو الاقتصادي وتحاشي آثار الركود. وقد اعترف مبويني يومها انه شخصيا كان يفضل خفض سعر الفائدة 2% دفعة واحدة ثم عاد بعد ذلك بأيام ليؤكد عزمه علي اجراء مزيد من الخفض في اسعار الفائدة في ابريل المقبل إذا لم يستجب الاقتصاد بدرجة كافية لما تم ضخه فيه من محفزات. ومثل باقي الاقتصادات الافريقية كان اقتصاد جنوب افريقيا يعمل بشكل جيد نسبيا حتي وقت قريب، ففيما بين 2004 2007 كان يحقق معدل نمو سنوي يناهز ال 5% في المتوسط، وكان متوسط معدل نموه خلال العقد الاخير 3% سنويا. وفي العام الماضي كان متوقعا ان ينمو بنسبة 4% ولكنه لم يحقق سوي 3% بالكاد، حيث انه انكمش في الربع الاخير من عام 2008 بنسبة تقترب من 5% سنويا. وهذا يبين ان اقتصاد جنوب افريقيا الاكثر تقدما وانفتاحا عن غيره من الاقتصادات الافريقية قد اصيب علي نطاق اوسع واعمق مما هو متوقع بكل اعراض الازمة الاقتصادية العالمية. وهو يؤكد ايضا ان اقتصاد جنوب افريقيا سوف يحذو حذو كبار شركائه التجاريين في امريكا واوروبا واليابان بدخول مرحلة الركود الاقتصادي لاول مرة منذ 17 سنة كاملة. ولا يخفي ان كل يوم يمر صار يحمل معه مزيدا من الانباء السيئة اقتصاديا فالصناعات التحويلية والتعدين وتجارة التجزئة تمثل معا ثلث اقتصاد جنوب أفريقيا أو بالدقة ثلث اجمالي الناتج المحلي لهذه البلاد قد دخلت فعلا مرحلة الركود وفي يناير الماضي تراجعت مبيعات السيارات 35% وهو اكبر تراجع منذ ربع قرن أما سوق الممتلكات الذي اصابه الاضطراب في العامين الاخيرين فإنه يتهيأ الآن لما هو أسوأ لمدة عام كامل علي الاقل، وبجانب ذلك فإن تداعي اسعار المواد الخام عالميا قد أدي إلي انخفاض شديد في قيمة صادرات جنوب افريقيا. ونتيجة لكل تقدم بدأت الشركات تستغني عن العمالة وتغلق المصانع وارتفع معدل البطالة طبقا للتقديرات الرسمية ليصبح 23% "أما التقديرات غير الرسمية فتقول إن معدل البطالة يناهز 35% أو يزيد" وهو معدل متجه إلي الزيادة في الاشهر القادمة ونحن نذكر ان اقتصاد جنوب افريقيا كان يوفر نحو نصف مليون وظيفة سنويا في الفترة 2003 2007 أما هذا العام فسيتم فقدان ربع مليون وظيفة، ولذلك فإن ملايين اخري من الناس سيقعون تحت خط الفقر. ومن بين 4 ملايين عاطل حسب الارقام الرسمية لا يتلقي اعانات بطالة سوي نصف مليون متعطل فقط. تقول مجلة "الايكونوميست" إن مستوي الفقر قد تراجع في جنوب افريقيا منذ سقوط النظام العنصري وتولي حزب المؤتمر الوطني الافريقي الحكم عن طريق الانتخاب الحر عام 1994. ولكن التفاوت في الثروات لايزال كبيرا علي الرغم من جهود الحكومة لخفض معدل البطالة وتقديم مزايا اجتماعية للعاملين. وهنا تقول الارقام إن دخل عشر السكان القابعين في قمة الهرم الاجتماعي "ومعظهم من البيض وان كان فيهم نسبة جيدة ايضا من السود" لايزال يساوي 100 ضعف دخل العشر الذي يقبع في اسفل الهرم الاجتماعي. ويتفاقهم الشعور بعدم اليقين تجاه الاوضاع الاقتصادية مع اقتراب موعد الانتخابات العامة البرلمانية والبلدية التي أعلن الرئيس كجاليما موتلانت عن اجرائها يوم 22 ابريل المقبل. صحيح ان حزب المؤتمر الوطني لن يخسر هذه الانتخابات، ولكن هناك احتمالا لتحويل السياسات الاقتصادية اكثر جهة اليسار في ظل جاكوب زوما الذي خلف موتلانت في قيادة الحزب والدولة، فالرجل سيحكم البلاد متحالفا مع الحزب الشيوعي لجنوب افريقيا، ومؤتمر اتحاد نقابات جنوب افريقيا "كوزاتو COSATU".