الأخبار القادمة من ليبيا تدعو إلى الخوف على مصير البلد، والتحركات والتطورات على الأرض تثير القلق، وكأن الفرقاء فى الغرب والشرق، لم يوقعوا على العديد من الاتفاقيات، التى رسمت المشهد الحالى، وأشهرها اتفاق الصخيرات ديسمبر 2015، الذى أنتج العديد من الكيانات السياسية الحاكمة، وكذلك برلين فى يناير 2020، والتى تم التوصل إليه بجهود من لجنة المتابعة الدولية، وكذلك اتفاق جنيف فى العام التالى، الذى نتج عنه اتفاق وقف إطلاق النار، والمثير للدهشة أنه فى الوقت الذى تزايد فيه الاهتمام الدولى والإقليمى، بضرورة إنهاء حالة الركود فى الأزمة، تفاجأ الجميع، بالإعلان عن تشكيل الهيئة العليا للرئاسات، والتى تضم المجلس الرئاسى محمد المنفى، وحكومة الوحدة عبد الحميد الدبيبة، والمجلس الأعلى للدولة محمد تكاله، باعتباره إطارًا تنسيقيًا يشكل السلطة العليا للدولة، فى سياق مقاربة وطنية مشتركة، وفقًا لبيان الإعلان، الذى دعا بقية مؤسسات الدولة إلى الانضمام، بما يعزز الاستقرار مع التأكيد على أنه ليست كيانًا جديدًا، وبنظرة مراقب ومتابع محايد للأحداث، مثل الأمر (صب للزيت على النار)، فهو يستهدف ظهور قيادة طرابلس ككتلة مؤسساتية، منضبطة ومتماسكة أمام المجتمع الدولى، تحاول تجاوز الخلافات البينية، وظاهرة تعدد مراكز اتخاذ القرار فى طرابلس، وهى ليست خافية على أحد، وترافق ذلك، مع جهود إلى احتواء المجموعات المسلحة فى العاصمة وأبرزها جهاز الردع، مما يخلق كتلة تفاوضية موحدة فى أى تسوية قادمة، وكل التقارير تشير إلى أن حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد دبيبة، هى من سعت إلى تشكيله، خاصة وأن البعثة الأممية باتت تدفع باتجاه سلطة تنفيذية موحدة، وقد يكون الدببية، أحد ضحاياها، وعلى نفس المستوى فإن الشرق يعيد نسج تحالفاته وعلاقاته القبلية فى كل أنحاء البلاد، وهذا واضح من اللقاءات المتعددة لقائد الجيش الليبى خليفة حفتر، والجديد لقاءاته مع قبائل فى محيط العاصمة، فى ترهونة وبن وليد والزواية لخلق طوق سياسى قبلى حول طرابلس. لم يقتصر الأمر على بناء التحالفات الداخلية، بل أيضًا الخارجية، فهناك نشاط ملحوظ ومكثف لأبناء حفتر حيث كسبوا تواجدًا عسكريًا وسياسيًا، بالانفتاح على دول العالم، نائب القائد الأعلى صدام حفتر زار تركيًا منذ أيام، والتقى بوزير الخارجية التركى هاكان فيدان - وكان هذا ملفتًا للنظر - ووزير الدفاع بشار جولر، وبحثا تعزيز التعاون العسكرى، وهناك تقارير تتحدث عن إمكانية دعوة حفتر نفسه لزيارة تركيا قريبًا، وفى نفس التوقيت تقريبًا، كان بالقاسم حفتر مدير عام صندوق التنمية وإعادة إعمار ليبيا فى موسكو، والتقى وزير الخارجية الروسى لافروف، لبحث التعاون فى مجالات الإعمار والتنمية، بينما تقدم حكومة الوفاق نفسها كشريك استراتيجى لواشنطن، فى ظل تكثيف الزيارات للعاصمة الأمريكية، وآخرها الاجتماعات التى عقدها وفد الحكومة مع إريك ماير مساعد وزير الخزانة الأمريكى، لبحث التعاون الاقتصادى والمالى بين البلدين، كما رعت واشنطن اجتماعات الخاصة بالاتفاقية المالية بين الشرق والغرب، وتم التفاوض بشأنها بين صدام حفتر وإبراهيم دبيبة مستشار الأمن القومى، وأحد النافذين فى غرب ليبيا، والمقدرة ب 20 مليار دولار حوالى 5 مليارات يورو، والذى نص على تقاسم عائدات النفط بالتساوى، وسحب صدام حفتر موافقته فى اللحظة الأخيرة، على أساس أن برقة تستحق نصيبًا أكبر. وتتزايد المخاوف من سيناريوهات الفترة القادمة، وكلها كارثية، هى كالتالى: تلويح مجلس النواب فى طبرق بالعودة إلى الحكم الذاتى، باعتباره خيارًا مطروحًا كما جاء فى البيان الذى أصدره، ردًا على الإعلان عن الهيئة العليا للرئاسات، وأكده أسامة حماد رئيس الوزراء المكلف من البرلمان، العودة إلى المواجهات العسكرية بين الشرق والغرب، والتى قادها المشير خليفة فى أبريل 2019، واستمرت حوالى عام، وهو ما يمكن فهمه من خطاباته الأخيرة، ودعوته للشعب الليبى للتحرك لتغيير جذرى، وأنه سيلقى دعمًا من القوات المسلحة. والكارثة والطامة الكبرى، عودة بعض النخب السياسية للحديث عن التقسيم، وتبنيه ومنهم نائب رئيس المجلس الرئاسى موسى الكونى فى شهر مارس الماضى، مع السفير البريطانى فى ليبيا، الذى اعتبر الأمر حلًا للانقسام السياسى، وسار على دربه عبد الله اللافى الذى أعلن عزمه فى نفس الشهر، فتح حوارًا موسعًا حول النظام الفيدرالى. وبعد، فأمام الفرقاء فرصة تاريخية، للاستثمار فى الاهتمام الدولى بإيجاد حل للأزمة الليبية، خاصة من واشنطن عبر مبعوثها مسعد بولس، والاجتماع الأخير للجنة المتابعة الدولية الموسع منذ أيام قليلة، الذى دار حول الإسراع بتنفيذ خريطة طريق، التى طرحتها البعثة الأممية والتى تقود عملية سياسية تستهدف الوصول إلى الانتخابات العامة النيابية والرئاسية خلال عام ونصف، والتى أطلقت عليها الحوار المهيكل، والمطروحة منذ أغسطس الماضى، ولم يتم تنفيذ أى من بنودها، مع ضرورة تفعيل بند فرض عقوبات على المعرقلين للحل.