خلال الأشهر الأخيرة قامت شركة تويوتا العالمية للسيارات بتغيير قادتها وتأجيل مشروعاتها الأخيرة وخفض إنتاجها في اليابان إلي النصف تقريبا. أما شركة توشيبا فقد احكمت قبضتها علي فروعها وأعلنت إنها ستصفي الأنشطة غير الرابحة. ومن جانبها قامت شركة سوني بخفض عدد مورديها إلي النصف لكي توفر 500 مليار ين (5.2 مليار دولار) هذا العام وحده. كما قام الجميع بالاستغناء عن جزء كبير من العمالة المؤقتة والعاملين لبعض الوقت بدلا من تثبيتهم في العمل مدي الحياة. وقد شجعت هذه التصرفات من جانب الشركات الكبري الشركات اليابانية الأخري إلي إن تحذو جذورها. وتقول مجلة "الايكونوميست" إنه خلال ما يسمي بالعقد الضائع علي الاقتصاد الياباني 1991 - 2002 تجنبت الشركات إلي اقصي مدي اتخاذ الإجراءات التي شأنها زيادة الجمود الاقتصادي ولكنها هذه المرة تتصرف بسرعة وتضرب في العمق. وقد لجأت الشركات اليابانية إلي كثير من الممارسات. فقد قامت الصحافة بواجبها مذكرة الشركات بأن هذه هي أزمة القرن وانها أزمة ذات طبيعة خاصة وشجعت عمليات الاستغناء عن العمالة. أما البنوك فقد قامت بدور بناء أكثر من الدور الذي قامت به في التسعينيات القرن الماضي حيث رفضت تقديم الائتمان للشركات المحتاجة التي لا تستطيع الوفاء بالتزاماتها وقد حدث ذلك من البنوك علي عكس رغبة الحكومة والقادة السياسيين. وقد ساعد علي هذه المواقف الجديد أن الأزمة هذه المرة علي عكس المرة السابقة في عام 1991 بدأت اصلا خارج اليابان وأنه يمكن القاء معظم اللوم فيها علي المصرفيين الأمريكيين الذين يحملهم كثير من اليابانيين مسئولياتها. كما أن الشركات اليابانية وجدت نفسها مضطرة إلي التصرف علي هذا النحو من الانكماش لأنها فوجئت بانهيار الصادرات متزامنا مع الارتفاع الذي كان حادثا في أسعار المواد الخام والتحسن في سعر صرف الين مما جعل الصادرات اليابانية في النهاية غالية الثمن.. والأمر المؤكد أن هذا كله يمثل نقطة تحول عما كان سائدا في العقد المفقود. ففي التسعينيات نظرت اليابان إلي الأزمة علي أنها ازمتها الخاصة، وإنها تمثل شأنا داخليا. وقاومت أية ضغوط خارجية للتخلص من البنوك المنحرفة أو المضاربين في مجال تنمية الممتلكات او الشركات ذات الطموحات المبالغ فيها. وقامت اليابان بدلا من ذلك بإصلاح شركاتها ولكن ببطء وبشكل غير كامل. ورغم أن حق العمل امر مقدس في اليابان فإن العمال عانوا من البطالة آنذاك أيضا. وهذه المرة تبدو الأمور كما تقول مجلة "الايكونوميست" مقر به بإجراءات أكثر ضرر به في اتجاه إعادة الهيكلة. فالغرب ضرب الاقتصاد الياباني القائم علي التصدير بقسوة بالغة. ونحن نعرف أن حجم التجارة الخارجية اليابانية نقص بمقدار الثلث وإن إجمالي الناتج المحلي الياباني سينكمش بنسبة 6% هذا العام خصوصا إذا ساءت أوضاع الغرب أكثر مما هي سيئة. وستكون طاقة الإنتاج الصناعي الزائدة في اليابان أكبر من مثيلاتها في أمريكا أو أوروبا. وباختصار فإن الأمور وصلت إلي أسوأ ما يمكن أن تصل إليه حاليا وينتظر أن تبدأ في التحسن خلال الاشهر الستة القادمة عندما تقوم دورة المخزون بمنحتها وتتجه الشركات إلي إعادة ملء مخازنها مرة أخري. وهذا التوقع الإيجابي هو الذي دفع مؤشر نيكاي - 225 بنحو 40% إلي أعلي بعد أن كان قد هبط في مارس الماضي إلي أدني نقطة له منذ 26 سنة. لقد احجمت شركات يابانية كثيرة عن القيام بعملية إعداة هيكلة شاملة خلال أزمة العقد المفقود. وحتي بعد عام 2002 عندما زادت ارابحها بسبب زيادة الصادرات لم تقم بإعادة الهيلكة المطلوبة. أما الركود الراهن فقد قوي شوكة الإصلاحيين وبدأت عمليات إعادة الهيكلة بالفعل واسهل خطواتها هي الاستغناء عن العمالة خاصة في ظل المرونة النسبية التي اصبح سوق العمل الياباني يتمتع بها حاليا بالمقارنة إلي أعوام ما بعد الحرب العالمية الثانية. فقد زادت نسبة العمالة المؤقتة والعاملين لبعض الوقت 20% لتصبح 33% ونحن نعرف أن العمالة تمثل 70% من إجمالي التكاليف في الشركات اليابانية. ورغم أن الاستغناء من العمالة المنتظمة لا يزال صعبا ومكلفا فإن العمالة المؤقتة يسهل كثيرا تسريحها. ومن علامات التغير الأخري ذلك الحماس المفاجئ الذي تبديه الشركات اليابانية لعمليات الاستحواذ والاندماج سواء في الأسواق الخارجي أو في السوق الداخلي علي الرغم من عدم استقرار الأموال وندوة السيولة. ويمكن النظر إلي هذا الحماس علي أنه مظهر من مظاهر عملية إعادة الهيكلة التي تقوم بها شركات كبري مثل هيتاش وتوشيبا وفوجيتو وغيرها. وتقول الأرقام إن قيمة صفقات الاستحواذ في سوق اليابان الداخلي خلال الربع الأول من العام الحالي بلغت 30 مليار دولار متفوقة بذلك علي مثيلاتها حتي في الصين. ومع ذلك ضمن الواجب أن ننبه إلي أن عمليات إعادة الهيكلة لاتزال تدور في إطار الاتجاه إلي خفض التكاليف وأن المطلوب أن تكون إعادة الهيكلة نوع من المراجعة الشاملة تستهدف رفع كفاءة الأداء والتحسب للمستقبل في المقام الأول خاصة وأن هناك شركات يابانية كثيرة لا تزال تنتظر مساعدة الحكومة بدلا من اتخاذ ما هو مطلوب من إجراءات جريئة.