ظهور الملك عبدالله، العاهل السعودي وولي عهده لأول مرة في صورة جماعية تحيط بهما نحو40 سيدة سعودية يلبسن العباءات السوداء المعروفة ،علي هامش مؤتمر في نجران مؤخرا، وهي ليست مجرد صورة جماعية ولكنها تعبير عن اتجاه منفتح أكثر تجاه المرأة وحقوقها في المملكة. وصورة الملك حادث غير عادي يقوم فيه راعي المملكة بالوقوف الي جانب نساء، هن في "الشرع" محرمات عليه.! الصورة بعثت برسالة مفادها أنه من المسموح العمل مع المرأة وان لا عيب في هذا الأمر. مفاجأة ثانية: الأمير عبد الله بن متعب حفيد العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز ظهر مؤخرا في اعلان تليفزيوني تجاري لشركة "موبايلي" الأمير هو فارس يشارك في بطولات القفز بالحواجز ويمثل ظهوره في إعلان خروجا عن المألوف، حيث اعتادت العائلة الابتعاد عن الأعين والالتزام بالسرية في حياتها الخاصة. وهذه السابقة تعكس التطور في سلوك الأسرة الحاكمة في السعودية خلال السنوات الأخيرة إذ أصبحت العائلة أكبر حجما وأكثر شبابا، حيث تضم الآن عدة آلاف من الأمراء الشباب من نسل مؤسس المملكة عبد العزيز آل سعود الذي توفي في عام 1953 وهؤلاء الشباب بدأوا يقتربون أكثر فأكثر من حياة العامة. أذكر اني استمعت عندما زرت المملكة.. خلال القمة العربية التي عقدت بالرياض إلي شهادات مماثلة لمواطنين سعوديين ووافدين تشير إلي أن أفراد الأسرة الحاكمة في المملكة أصبحوا يتواجدون في بعض الأحيان بمقاهي ومطاعم شهيرة يتردد عليها العامة بل إن الأمر لم يكن يتطلب احتياطات غير عادية كأن يغلق المكان أو يفرغ من زبائنه من أجل ارتياد الأمراء لتلك الاماكن . في خريف العام الماضي أصدر الملك عبد الله قرارا بعزل شيخ كبير طالب بقيام المؤسسة الدينية بالإشراف علي المقررات التعليمية وفحصها في الجامعة الدولية للعلوم قرب مدينة جدة التي افتتحها الملك وكلفت خزينة الدولة اكثر من 10 مليارات دولار.. الجامعة التي كتبتُ عنها عند افتتاحها باعتبارها حدثا يؤرخ له في تاريخ المملكة الحديث تسمح باختلاط الجنسين داخل الحرم الجامعي . الملك عبد الله أصدر قبل ذلك قرارا بتعيين نور الفايز، كأول امرأة لتولي منصب نائب وزير التعليم. الآن مجلس الشوري السعودي يتجه نحو رفع الحظرعلي قيادة المرأة للسيارة وتلك ستكون أحدث المفاجآت السارة في المملكة. وعلي عكس مايتردد فان منع المرأة من القيادة لم يكن صادرا بقرار ولكنه كان بسبب انتشار التقاليد الاجتماعية والثقافية المتشددة. وتوقعي بالسماح بالقيادة للمرأة لن يطول انتظار تحققه لأنه مبني علي معلومات استدلالية وليس علي تكهنات، ففي حديث لوزير الخارجية السعودي الأميرسعود الفيصل، مع صحيفة أمريكية مؤخرا، توقع حدوث تغير في هذا الاتجاه. جميع تلك المفاجآت تؤكد السياسة الإصلاحية التي اتبعها الملك عبد الله بن عبد العزيز منذ توليه عرش المملكة في عام ،2005 وبالتحديد منذ أن دشن في العام ذاته مشروعا قيمته تسعة مليارات ريال (2.4 مليار دولار) لتطوير التعليم. لقد وضع يده علي القوة الكفيلة بتنمية المجتمع وتحريكه في اتجاه التطورالحقيقي. ولأن كل جديد يحرك الركود لابد أن يكون له أعداء فان المشايخ المتشددين هم أعداء هذا الحراك . في شهر فبرايرالماضي أصدر الشيخ عبدالرحمن البراك فتوي دعا فيها لقتل كل من يعارض الفصل بين الجنسين في حالة رفضهم التخلي عن آرائهم أو التوبة. تلك الفتاوي هي إحدي الصورلمحاولة تحدي رغبة التغييروتهديد وإرهاب الإصلاحيين بالمملكة. والإصلاحيون يحلمون بالمزيد من المفاجآت السعيدة والاشارات الايجابية، يريدون نساء محاميات في المحاكم، ونساء في مواقع القرار وعلي رأس الوزارات، وفي مواقع العمل وصولا لنساء يقدن السيارات حتي يتم الاستفادة الموسعة من التغيرات. وأستخدم عبارات الكاتبة الصحفية السعودية ابتهال المبارك في تلخيص جوهر القضية عندما قالت في حوار طالعته مؤخرا في صحيفة أجنبية "انه إذا لم نحل قضية" تافهة "مثل قيادة السيارة فكيف لنا ان نواجه القضايا الأكبر". والقضية الجوهرية التي وضعت يدها عليها هي حق المرأة في أن تعيش كمواطنة كاملة الأهلية في وطنها . والعقلاء في المملكة يقيمون تمايزا بين مطالبهم الإصلاحية وبين الضغوط السياسية الغربية. ولم تعد هناك أية حساسية في الجرأة والشجاعة بالمطالبة بالإصلاح، فالتغيير لابد ان يتم بأيد وعقول سعودية والأمر لايبدأ فقط من تغيير الكتب المدرسية وفق رؤية وقاعدة أساسية أن الإسلام دين مودة وتطور، وإنما الأهم تغيير عقول المدرسين. إن دلالة المفاجآت السارة التي يدعمها ويصنعها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله تبشر بأن إقرار حق إنساني للمرأة بصدد تعبيد الطرق إليه حاليا، وهو أكبر من صورة لها رمزيتها تلتقط له مع نساء سعوديات . * في مصر الآن نتجه إلي الوراء.. ويتبني المجتمع بنخبه الدينية العديد من فتاوي شيوخ المملكة وا