"ترى .. ما هي الخطوة الأكثر أهمية من خطوة تقلد امرأة منصبا وزاريا في السعودية"؟ هذا هو السؤال الذي طرحته شبكة "سي.إن.إن." الإخبارية الأمريكية في تعليقها على التعديلات الوزارية الأخيرة في المملكة العربية السعودية ، وأجابت عليه أيضاً بالقول إن الخطوة الأهم هي تعيين وزير عدل جديد يدافع عن المساواة بين المرأة وبين نظرائها من الرجال. فقد اعتبرت "سي.إن.إن." في تقريرها عن هذا الموضوع أن مجرد وصول نورة الفايز إلى منصب نائبة وزير التعليم لشئون الفتيات داخل المملكة العربية السعودية لا يغير من الأمر كثيراً بالنسبة للمرأة السعودية ، مشيرة إلى أن نفس القوانين القديمة لا تزال تحكمها – أي نورة – كما تحكم غيرها من السيدات داخل المملكة ، كما لا يزال عليها الالتزام بما يسمح به محارمها ، قد يكون هذا القانون بالنسبة للكثيرات متحرراً ، ولكن بالنسبة للأغلبية العظمى فهو ليس كذلك ، بحسب ما جاء في التقرير. وبعد أن قام العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز بتغيير كل من وزير العدل المحافظ ورئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بشخصيتين أخريين أقرب إلى فكره ، فإن الكثيرين وصفوا ما يحدث بأنه تعبير عن بداية عهد جديد لا رجعة فيه ، بدليل أن عبد الله عين أيضا محافظا جديدا للبنك المركزي ، وهو الأمر الذي يراه خبراء الاقتصاد خطوة حكيمة جداً ، ليس هذا فقط ، بل إنه حرص على إدخال العقول الشابة بأفكارها الجديدة إلى مجلس الشورى للمرة الأولى. ويضيف كاتب التقرير أن هذا التغيير كان متوقعاً ، فمنذ اعتلاء الملك عبد الله العرش خلفاً لأخيه الملك فهد – الذي توفي في أغسطس 2005 - حرص على التمهيد للإصلاح والتغيير ، وفي هذا الوقت كانت نورة الفايز هي رئيسة مركز الحوار الوطني ، وهو المركز المعني بمناقشة القضايا الحيوية مثل حقوق المرأة ، ومن هناك كان الأمل في أن تنتقل تلك القضايا من على مائدة النقاش إلى الصحف وغيرها من وسائل الإعلام. ويقول الكاتب إن الملك - وهو في العقد الثامن من عمره - لم يرث العرش فقط ، بل ورث معه مسئولين ووزراء ظلوا عقودا في مناصبهم ، وبعضهم في مثل عمره أو أكثر ، وهم لا يزالون متمسكين بمفاهيمهم المتحفظة وأرادوا تمريرها كما هي إلى المستقبل. وعلى سبيل المثال ، عندما سمح أحد القضاة باستمرار زواج رجل يبلغ من العمر 47 عاماً من طفلة لم تتجاوز الثامنة من عمرها ، هاج الرأي العام على القرار ، لسبب بسيط وهو أنه وصل إلى الناس بسهولة من خلال الإعلام ، وبالتالي ظهر القاضي بعيداً كل البعد عن الناس ، وهو آخر ما يحتاج إليه المجتمع. ولا يعود قرار العاهل بتغيير وزير العدل إلى تلك القضية بعينها ، ولكن المسألة تعكس حجم الجهد الذي بذله بعيدا عن الأضواء ليتمكن من لم شمل شريحة كبيرة من المجتمع السعودي المحافظ. وما أدركه العاهل السعودي جيداً هو أنه لا يمكن لدولة أن تعيش في عزلة تامة وكأنها جزيرة نائية ولا سيما دولة في ثراء ورخاء المملكة ، ليس هذا فقط ، فجيل الشباب داخل المملكة على إطلاع دائم بكل ما هو جديد في العالم من خلال الإنترنت والقنوات الفضائية واتصاله الدائم بأقرانه في أوروبا وينتظر من حكامه مستقبل مختلف عن الواقع الذي يعيشه وحاضره الآن. ويصف التحليل التغييرات الأخيرة بأنها بمثابة حركة لإزاحة كل من يكبح تقدم الجيل الجديد ، وأبرز دليل على ذلك هو تغيير رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وهو أيضاً رئيس جهاز الشرطة الدينية واستبداله بشخص آخر يتميز بقرب فكره من فكر الملك. وفي الوقت الذي لا يسعى فيه المجتمع السعودي إلى التغيير الثوري أو التغيير الشامل بين ليلة وضحاها ، فلن يتحول المجتمع إلى مجتمع متساهل ، وهذا أمر أكيد ، إنما المسألة تدور حول جدوى تمشيط الشرطة الدينية للمراكز التجارية لإجبار السيدات على تغطية رؤوسهن ومنعهن من التحدث إلى غير محارمهن ، لأن تيارا كهذا يقود إلى تنامي رغبة شديدة داخل الشباب بالسعي إلى التحرر ، كما يؤكد أن الشريعة الإسلامية والقيم والتقاليد الراسخة ليست مطروحة للمناقشة من الأساس ، فالعاهل السعودي لا يزال خادم الحرمين الشريفين ، وليس من المقبول أن يتساهل في أي من الأمور الدينية. ويحرص الملك على التمهيد للتغيير بشكل من الممكن أن يستوعبه الناس ، ولاحظ كاتب التحليل أن الشرطة الدينية لم تعد مصدراً للإزعاج داخل المراكز التجارية ، فهي موجودة ولكن بشكل أقل حدة بكثير ، وتجردت السيدات من غطاء الرأس في بعض الأماكن ، ولكنهن حافظن على ارتداء العباءات السوداء ، وفي الوقت نفسه استخدمن مساحيق التجميل بحرية ودون خوف.