بلغت قيمة السندات التي أصدرتها البلدان المتقدمة خلال العام المنقضي نحو 12 تريليون دولار، مقابل 9 تريليونات دولار منذ ثلاث سنوات، وقالت شركة ماكنزي البريطانية للاستشارات المالية إن إجمالي حجم المديونية في النظام المالي الغربي المتقدم، ارتفع خلال العامين الماضيين، خاصة بعد بداية الأزمة الأخيرة، علي الرغم من أن صانعي السياسة والمنظمين في تلك الدول المتقدمة يتفقون علي ضرورة تقليص المديونية، لأن الاقتراض الزائد عن الحد كان سببا رئيسيا في حدوث الأزمة المالية العالمية. وتقول صحيفة فاينانشال تايمز البريطانية أن خبراء المصارف يتوقعون قيام البنوك المركزية بسحب دعمها لأسواق السندات، والذي تبنته منذ بداية الأزمة، بعد انهيار أسواق السندات في ذلك الوقت، ومن المتوقع أن تواجه الحكومات التي تتفق بقوة مزيدا من الضغوط لتقليص إصدار السندات، متوقعة أن تقود أسهم الأسواق الناشئة الاقتصاد العالمي نحو التقدم بعد سيطرة نظيراتها المتقدمة، دامت نحو ثلاثة عقود. وأضافت أنه في بداية الأزمة العالمية منحت أسواق الأسهم في الأسواق المتقدمة، عوائد هائلة، كما أن أن السندات شهدت طفرات كبري، وأظهر مؤشر بنك باركليز كابيتال لسندات الخزانة الأمريكية عن تحقيق إجمالي عوائد شملت مكاسب رأس المال، بلغت نحو 85% خلال العقد الماضي، فيما أعطت الاستثمارات الأخري مثل الذهب كما في أمريكا، والسندات الحكومية الأوروبية، عوائد إجمالية، بلغت نحو ،72 و71% علي التوالي، وارتفعت أسواق الدين أو السندات بشكل ملحوظ، فمنذ عام 2000 مثلاً، تضاعف حجم ديون أسواق السندات في الولاياتالمتحدةالأمريكية، حسب مصادر اتحاد الأوراق المالية والأسواق المالية. يقول وليم كنجهام، المحلل في شركة ستيت ستريت جلوبال في وول ستريت أن هناك سؤالاً يطرح نفسه بشدة في الوقت الحالي، يدور حول السندات، وما إذا كانت طفرة الديون ستستمر خلال العام الحالي وأيضا العقد الجاري الذي بدأ مع بداية السنة الجديدة في أعقاب الإعسار المالي الأخير، بمعني آخر، هل آن الأوان للبنوك، والمستثمرين حتي يركزوا علي مجال تمويلي آخر لتحقيق الأرباح في الأوقات المقبلة، سواء كان هذا المجال أسواق الأسهم، أو أي نشاط آخر مختلف. يوضح كنجهام أن المفاجأة في الأجل القصير من معظم بنوك وول ستريت، والحي المالي في لندن، هي أن أسواق الدين أو السندات مازال مجال تجارة مربحا، وظلت أقسام الدخل الثابت التي جذبت الأرباح لكثير من البنوك الاستثمارية الكبري قبل الأزمة في توليد عوائد ضخمة لبنوك مثل بنك جولدمان ساكس، وبنك جي بي مورجان، وبنك باركليز كابيتال، مشيرا إلي أن أحد أسباب ذلك هو إغراق الحكومات للنظام المالي في العام الماضي بالسيولة نتيجة للأزمة. ومن ثم أعطي ذلك فرصا قوية للبنوك التي كان بإمكانها الاقتراض بفوائد متدنية للغاية لتعيد استثمار هذه الأموال في أصول ذات مردود أعلي في وقت غلبت عليه التقلبات الشديدة، وهناك سبب آخر وراء تلك الطفرة تمثل في أن الشركات كانت مندفعة لجمع التمويل في أسواق السندات، ويرجع ذلك إلي أن البنوك تعمل علي تخفيض الإقراض، كما أن الوضع المالي المتدهور للحكومات الغربية شجع علي حدوث نوع من الفيضان من إصدارات السندات السيادية. ويتوقع خبراء المصارف استمرار هذا النمط، وهم يشيرون، بعد كل شيء، إلي أن هناك فرصة ضئيلة لتمكن النظام المالي في الأسواق المتقدمة من تخليص نفسه من إدمانه علي الديون خلال فترة قريبة، ويعد إحدي عواقب الأزمة المالية الأخيرة أنها تركت عالم الدين، والأرباح المرتبطة به في أيدي عدد قليل من البنوك، بالإضافة إلي ما يسمي بفرقها الخاصة بالدخل الثابت، والسلع، والعملات. ويقول جيرالد لوكاس، الخبير في دويتشه بنك، أن الحكومات ستستغرق بعض الوقت للسيطرة علي العجز الذي لديها، مثل الولاياتالمتحدةالأمريكية، وغيرها من الدول، إلا أنه خلال الأجل القصير، من المتوقع علي نطاق كبير أن تسحب البنوك المركزية دعمها الكبير لأسواق السندات، كما أن الحكومات التي تتفق بقوة ستواجه مزيدا من الضغوط لتقليص إصدار السندات، وهنالك توقعات بأن المستهلكين في تلك الأسواق سيبدأون بالتخلص من إدمانهم علي الدين في صورة بطاقات الائتمان، وقروض أسهم المنازل التي عززت قدراتهم الإنفاقية، كما زودت البنوك بتجارة كبيرة متمثلة في التوريق. وتقول صحيفة فاينانشال تايمز أن هناك كثيراً من الخبراء أجمعوا علي أن أحد سبل النمو الجديدة والمتوقعة ستكون من قبل سندات، وأسهم الأسواق الناشئة، كما أشارت إلي ذلك شركة ماكنزي منذ أيام قليلة، موضحة أنه بينما تبدو الأسواق المالية المتقدمة متفوقة بصورة متزايدة بعد طفرة استمرت لثلاثة عقود، فإنه لايزال أمام البلدان الناشئة خاصة مجموعة دول البريك، والتي تضم البرازيل، وروسيا، والهند والصين نشاطا كبيرا لتحقيق طفرات خلال الفترة المقبلة، لأن أسواق المال فيها مازالت في طريقها منذ الأزمة العالمية الأخيرة. وأشارت الصحيفة الأسبوع الماضي إلي أنه يتجه المستثمرون حاليا نحو صناديق السندات، حيث ضخ المستثمرون حاليا نحو 176 مليار دولار في الصناديق التي تقوم بشراء سندات الشركات التي تحمل تصنيف درجة الاستثمار، وهذا المبلغ أكبر بكثير من الرقم القياسي الذي شهده عام ،2007 وأرجعت الصحيفة ذلك الاتجاه، لأنه لدي حملة السندات أولوية علي حملة الأسهم في الحصول علي حصة من أصول الشركة في حالة العجز، كما أنهم يحصلون تقليديا علي حصة أعلي من أموالهم إذا فشلت الشركة. ويأتي هذا الإقبال نحو السندات في ظل إفلاس مصدري السندات أو التخلف عن سداد المستحقات الواجبة في قطاع الشركات المصدرة للسندات في العالم، مع بداية هذا العام وهو أمر غير مسبوق منذ نحو ثلاثة عقود، حيث وصل عدد الشركات المصدرة للسندات والتي تخلفت عن سدادها عند استحقاقها نحو 260 شركة منذ بداية العام منها 188 شركة في الولاياتالمتحدةالأمريكية ومع أن هناك الكثير من التفاؤل بالعام الجديد أن يكون عام بداية التعافي الحقيقي، إلا أن آثار الأزمة المالية لم تنته بعد، بل من المتوقع أن يشهد الاقتصاد الأمريكي خاصة، مزيدا من إغلاق البنوك ومن افلاس الشركات حتي وان كانت أغلب التقديرات تري أن معدل الإغلاق والإفلاس سيكون أقل بدرجة واضحة هذا العام. ومن ثم لا يمكن استبعاد أن تكون الأرقام كبيرة أيضا قياسا علي أزمات سابقة مر بها الاقتصاد العالمي، خاصة وأن الأزمة الائتمانية لاتزال سمة القطاع المالي العالمي، رغم خطط التحفيز الحكومية التي قاربت ثلاثة تريليونات دولار، فلايزال الإقراض بين البنوك شبه مجمد، وتجد الشركات والأعمال صعوبة في الاقتراض الميسر، الأمر الذي يحد من النشاط الاقتصادي بصفة عامة، وعلي العكس من ذلك استطاع الاقتصاد الصيني أن يحقق معدل نمو خلال 2009 وصل إلي 8%، ومن المتوقع أن ينمو في 2010 بنسبة 9،5% بدعم من نمو الاستثمار العقاري ومحدودية التضخم. ويذكر أن صندوق النقد الدولي توقع أن تحقق الدول المتقدمة نموا بنسبة 3،1% خلال عام 2010 بعد انكماشها بمعدل 4،3% خلال العام الماضي، وفي المقابل توقع تقدم الاقتصادات الناشئة الرئيسية، مثل الصين والهند، وأن تحتل الجزء الأكبر من نسبة نمو الاقتصاد العالمي، ومن المتوقع نمو تلك الأسواق الناشئة بشكل عام بنسبة 1،5% في العام الحالي.