رغم التحركات الدبلوماسية المحمومة التي شهدتها المنطقة مؤخراً والتي انطلقت عبر لقاءات مصرية أردنية سعودية فلسطينية وسورية في محاولة لبلورة موقف عربي موحد حيال ما قيل عن خطة أمريكية جديدة لتحريك عملية السلام فإن ما يحدث أشبه ما يكون بطحن الماء والسبب استمرار الاستيطان ووقوف أمريكا داعمة لإسرائيل وافتقار العرب لأية أوراق فاعلة لتحريك الأمور فضلا عن أن أوباما اليوم مشغول بقضايا الداخل وأهمها ما يتعلق باختراق تنظيم القاعدة لجهاز ال "سي آي إيه" مؤخراً ومحاولة أمريكا فتح جبهة جديدة في اليمن لمجابهة التنظيم في أعقاب واقعة الطائرة التي كان سيفجرها نيجيري وبالتالي فلا ينتظر أن يعطي أوباما اهتماما بعملية السلام في الشرق الأوسط. ** دغم أمريكا الكامل لإسرائيل.. أمريكا تتحرك في إطار هلامي وهي تعلم عن يقين بأن لا شيء سيتحقق علي أرض الواقع ويظل التنسيق كاملاً مع إسرائيل في كل مخططاتها التي ترمي إلي تهويد القدس كعاصمة موحدة وأبدية للدولة الصهيونية ولذا تراجعت أمريكا عن شرط وقف الاستيطان الذي طالبت به في البداية وبادرت بمطالبة العرب بالتطبيع مع إسرائيل ومطالبة عباس باستئناف فوري للمفاوضات مع نيتنياهو دون أية شروط مسبقة. وإمعاناً في إظهار التماهي الكامل مع إسرائيل وجدنا أوباما -الذي خدع العرب بخطابه في جامعة القاهرة في 4 يونية 2009- يصرح علنا بأن أمريكا ملتزمة دوماً بأمن إسرائيل وستدعم دائماً حقها في الدفاع عن نفسها..! ** جولات ميتشل لا تحقق شيئاً.. دعم إسرائيل يظل هو الأساس الذي ترتكز عليه أية تحركات أمريكية في المنطقة، أما خلاف ذلك من تصريحات أو وعود فهي ليست إلا تمويهات لذر الرماد في العيون ومنح الدول العربية الشعور بالأمان والطمأنينة بل، والثقة في نوايا الولاياتالمتحدة، وعليه فإن جولة جورج ميتشل الجديدة في المنطقة لن تضيف جديداً، بل ستكمل الصورة الشائهة لأمريكا وتتستر علي حقيقة تحركاتها وما تهدف إليه في النهاية. ** لا جديد لدي العرب ولعل الرسالة التي يحرص العرب علي أن يبعثوا بها إلي إدارة أوباما لن تخرج عن المطروح حتي الآن منذ سبع سنوات والمتمثل في المبادرة العربية للسلام ولا أظن أن هناك جديداً لدي العرب، فمبادرة السلام التي سبق أن هددوا بأنها لن تبقي طويلا علي المائدة مازالت مطروحة ولم يتم سحبها رغم رفض إسرائيل لها، بل والقيام بارتكاب جرائم حرب في الهولوكوست الذي سلطته علي غزة وما أعقبها من ممارسات استفزازية وقحة وصادمة تمثلت في سلسلة القرارات التي اتخذتها وتتخذها يوميا باستصدار تراخيص لبناء مئات الوحدات السكنية في القدسالشرقية فضلا عن غاراتها التي تغتال الفلسطينيين. ** من يضغط علي من؟! ويرد التساؤل: هل حانت لحظة الإفاقة العربية مع بداية عام جديد الأمر الذي دفع بها إلي اختراق حاجز الجمود في المواقف العربية وإجراء اتصالات وزيارات لواشنطن لتحريك عملية السلام؟ ما يحاول البعض الإيحاء به هو أن الدول العربية التي تندرج تحت جبهة الاعتدال وتحركها مصر والسعودية والأردن تمارس الضغط علي عباس كي يتخلي عن إصراره بتجميد الاستيطان كشرط لقبوله التفاوض مع إسرائيل. ولا أعتقد أن القيادات العربية المعتدلة تلك في وارد الاضطلاع بأمر كهذا إلا إذا كانت علي يقين بأن هذا ما يريده عباس الذي يحرص علي الظهور أمام العالم بأنه متشبث بشرط تجميد الاستيطان وأن الضغط العربي هو الذي سيضطره إلي قبول التفاوض، فكأن الدور العربي هنا يتمثل في رفع الحرج عن "عباس" حتي لا يظهر وكأنه أذعن لمطلب إسرائيل الذي تدعمه إدارة أوباما والمتمثل في استئناف التفاوض دون شروط مسبقة أي دون تجميد الاستيطان. ** عبثية المفاوضات ولا يري المرء معني ولا جدوي ولا فائدة تذكر من عودة الفلسطينيين إلي ساحة مفاوضات مع إسرائيل ثبت بالقطع أنها عبثية لم تسفر عن نتائج تذكر اللهم إلا عن منح إسرائيل فسحة من الوقت مكنتها من تحقيق مكاسب علي صعيد تكثيف الاستيطان وإحكام القبضة علي القدسالشرقية وتهويدها وحصار الأقصي والتهديد بتقسيمه. ** وعود أمريكا أوهام وضماناتها سراب لقد قيل إن إدارة أوباما ستطرح خطة للسلام تترافق مع ضمانات أمريكية إمعانا في إنجاحها ولكن أية ضمانات وقد أثبتت إدارة أوباما أن وعودها أوهام وضماناتها سراب بعد أن تراجعت 180 درجة عما لوحت به في البداية من حتمية تجميد الاستيطان بالكامل قبل الدخول في أية مفاوضات وعادت لتتبني منطق إسرائيل وتطالب باستئناف المفاوضات دون شروط مسبقة؟ ويرد التساؤل هل الدول العربية مطالبة اليوم بأن تذعن لإدارة أوباما بالضغط علي "عباس" أو التظاهر بذلك لاستئناف المباحثات التي كانت قد علقت العام الماضي إثر الهجوم الإسرائيلي الواسع علي قطاع غزة؟ اليوم ومع الذكري الأولي للهجوم تنشط مساعيها لاستئناف مفاوضات يدرك الجميع أنها لا ولن تحمل جديداً اللهم إلا المراوغة واستنفاد الوقت ليس إلا، فالاستيطان لن يتوقف ولن تتقيد إسرائيل بمرجعيات السلام ولن يكون هناك تحديد لآلية تنفيذ أي اتفاق، هذا فضلا عن استمرار إسرائيل في ممارسات القتل الممنهج للفلسطينيين والإبقاء علي الحواجز الأمنية واستمرار التوغلات العسكرية وهدم منازل المقدسيين. ** سيناريو الخداع..؟! هناك اقتراح بعقد قمة دولية تشارك فيها أطراف اللجنة الرباعية (أمريكا-روسيا- الأممالمتحدة- الاتحاد الأوروبي) بالإضافة إلي نتنياهو وعباس ودول عربية في محاولة لبدء مرحلة جديدة من عملية السلام. ولكن حتي لو عقدت هذه القمة وحتي لو استؤنفت المفاوضات بين عباس ونتنياهو فلن تسفر عن أية نتائج تذكر تصب إيجابا في صالح القضية الفلسطينية. وكأن ما تسعي إليه أمريكا لدعم إسرائيل هو الحفاظ علي الواجهة التي تظهرها معنية بالسلام بينما المضمون الحقيقي للسلام لا وجود له. وبالقطع سيكون من المؤسف أن تتماهي دول عربية مع إدارة أوباما اليوم في سيناريو الخداع والتضليل حول القضية الفلسطينية، إذ كيف يمكن لقيادات عربية أن تسير في فلك مسرحية هزلية كتلك يلعب فيها نتنياهو دور البطولة، وأوباما ضيف الشرف أما العرب فيلعبون دور الكومبارس؟! ** الخروج من دائرة رد الفعل إسرائيل لم تقدم جديداً لكي يسارع العرب إلي إرضائها وتلبية إملاءاتها ويكفي ما يحدث في القدسالشرقية اليوم وممارساتها ضد الحرم القدسي الشريف والحصار الضاري الذي تفرضه علي فلسطيني غزة، فالأولي بالدول العبرية أن تعمل جاهدة بكل السبل لرفع الحصار التجويعي، فالجوع كافر كما يقال والجائع يصل به الحال إلي اليأس واليأس يقوده إلي الإقدام علي أي شيء لتخرج الدول العربية من دائرة رد الفعل إلي الفعل الحقيقي علي أرض الواقع. لتمارس الضغط علي إدارة أوباما وعلي الاتحاد الأوروبي وعلي المنظمة الدولية لتحريك العالم كله ضد الحصار الإجرامي اللاإنساني واللاأخلاقي الذي تفرضه إسرائيل علي الشعب الفلسطيني فهذا أول الغيث إذا يحقق..