علي الرغم من أن هذا الشهر شهد ثلاثة لقاءات كبيرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين وبمشاركة افتتاحية للرئيس الأمريكي باراك أوباما والرئيس حسني مبارك والعاهل الأردني الملك عبدالله، فإن أجواء التشاؤم من إمكانية نجاح تلك اللقاءات في الوصول إلي اتفاق سلام بين إسرائيل والشعب الفلسطيني تبدو هي الأقرب إلي الواقع. حيث لم تؤثر تلك اللقاءات والمفاوضات المكثفة في واشنطن ثم شرم الشيخ وأخيرا القدس في إيجاد أي أجواء للتفاؤل، وهو ما اعترف به المبعوث الأمريكي لعملية السلام جورج ميتشيل بقوله «أحتاج إلي يوم نجاح واحد فقط» معيدا الأذهان إلي تجربته في إنجاز اتفاق السلام في أيرلندا، الذي شهد مفاوضات متعثرة أيضا استمرت مئات الأيام، ولكن النجاح تحقق في يوم مثير أنهي الحرب والمواجهات في أيرلندا باتفاق «ديلن» الشهير للسلام والذي أكسب ميتشيل سمعته ومهارته السياسية والتفاوضية ورشحته لتولي ملف معقد آخر، بل أكثر تعقيدا من المشكلة الأيرلندية وهي المشكلة الإسرائيلية - الفلسطينية، بل الصراع العربي - الإسرائيلي بكل ملفاته باعتبار أن ذلك من ضمن المهام التي تعهد الرئيس أوباما بتحقيقها عبر الوصول بالشرق الأوسط إلي حالة سلام دائم بين مختلف دول المنطقة. المحطة السورية وبعد الجولة التفاوضية الثالثة في القدس والتي شهدت رفع العلم الفلسطيني في مقر رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، توجه ميتشيل إلي دمشق للاجتماع بالرئيس السوري بشار الأسد حيث أعاد التأكيد علي ثوابت السياسة الأمريكية بالاهتمام بدفع مسارات التفاوض العربية - الإسرائيلية الأخري، خاصة المسار السوري كواحدة من أهم المحطات للوصول إلي سلام شامل في المنطقة، ولكن الأهم والذي لم يبرز خلال التصريحات الإعلامية، هو اهتمام المبعوث الأمريكي بأهمية إقناع سوريا بعدم عرقلة المفاوضات الإسرائيلية - الفلسطينية الحالية، والتحول إلي لعب دور إيجابي لإنجاح تلك المفاوضات استنادا إلي دور دمشق الحيوي وعلاقتها الوثيقة بحركة «حماس» والفصائل الفلسطينية الأخري وهي قرابة عشر فصائل صغيرة كلها تعارض المفاوضات الحالية التي يجريها الرئيس الفلسطيني محمود عباس مفوضا من منظمة التحرير الفلسطينية بعد اجتماع تطايرت حوله الشكوك والاتهامات بعدم توافر النصاب الشرعي. صحيح أن سوريا - كالعادة - لم تقدم الدعم الذي تريده الولاياتالمتحدة، ومتمسكة بالموقف السوري الخاص بعدم التدخل في الشئون الفلسطينية، إلا أن توجه ميتشيل في هذه المرحلة المبكرة إلي دمشق يكشف عن أهمية الدور السوري لإنجاح المفاوضات السورية - الإسرائيلية، حيث لم تنجح المظلة العربية التي قدمتها مصر والأردن - كالمعتاد أيضا - لمحمود عباس في إيجاد أجواء ملائمة للرئيس الفلسطيني للتفاوض في ظل تنامي المعارضة الفلسطينية لتلك المفاوضات، وهو ما جري التأكيد عليه في اجتماعات وزراء الخارجية العرب في القاهرة مؤخرا. عقبة الاستيطان وإذا كان ميتشيل قد وعد بمواصلة الجهود الأمريكية لتحريك مسار التفاوض الإسرائيلي - السوري بشكل خاص، فإن مسار التفاوض الإسرائيلي - الفلسطيني نفسه يواجه مأزقا خطيرا قبيل أيام قليلة من موعد انتهاء فترة تجميد الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة«القدس والضفة الغربية»، وتدخل الرئيس مبارك إعلاميا هذه المرة بحوار مع التليفزيون الإسرائيلي وقناته الرئيسية داعيا الرأي العام الإسرائيلي لقبول مد تجميد الاستيطان «حتي لا تنهار عملية السلام التي بدأت أول الشهر»! وبدت بارقة أمل ضئيلة في إمكانية إقرار الحكومة الإسرائيلية قرارا بتجميد الاستيطان لفترة قصيرة تمتد إلي نهاية العام «ثلاثة شهور» علي أن يتم خلالها إنجاز اتفاق إسرائيلي - فلسطيني حول قضية الحدود التي ستنهي الخلافات حول أي المناطق ستعود للفلسطينيين وأيها ستظل في قبضة إسرائيل سواء تحت لافتة «تبادل الأراضي» أو أي صيغة أخري يجري الاتفاق حولها. قوة الضعف وفي إطار ذلك كله فإن محمود عباس يستمر في لعب ورقة «الضعف» الشديدة التي حولها إلي أداة للضغط، فهو يكرر ليل نهار أن المفاوضات ستنهار إذا عادت إسرائيل للاستيطان، وأنه لن يكون أمامه بالتالي سوي الانسحاب من المفاوضات وإعلان ذلك للعالم، وتقديم استقالته أساسا من رئاسة السلطة الفلسطينية مما يفتح الأبواب أمام أي خيارات أخري.. وتبذل كل الأطراف خاصة الولاياتالمتحدةالأمريكية ضغوطا جبارة علي محمود عباس للاستمرار في المفاوضات تحت أي ظروف، باعتبار أن وجود المفاوضات المباشرة في حد ذاتها هو إنجاز حيث يمكن التوصل في أي لحظة إلي اتفاق إطار للسلام.. والمثير أن أحدا لا يملك ذرة تفاؤل واحدة، فحتي إذا تم تجميد جديد للاستيطان فماذا سيفعل عباس إزاء إصرار نتنياهو علي الاعتراف بيهودية إسرائيل، وهو ما أيده «ميتشيل» وعديد من المسئولين الأمريكيين الكبار، وهو ما يعني إغلاق أبواب عودة أي لاجئ فلسطيني إلي دياره من جديد. إنها المفاوضات الأصعب في التاريخ لأنها محاطة بكل أسباب الفشل، ولكن ميتشيل يحتاج إلي يوم واحد فقط للنجاح، فهل ستتحقق المعجزة؟