في الوقت الذي يرتبك فيه الكون لأن هناك ألاعيب غير مسبوقة في سرقة أموال البنوك بأساليب علمية شديدة التزوير وشديدة الإرباك، وفي الزمن الذي فضحت فيه الولاياتالمتحدة نفسها بوجود أناس في أرقي المراكز الاقتصادية يقومون بشفط دم البشر المتجمع في شكل أسهم وسندات في البورصات، وفي الوقت الذي ثبت فيه قدرة واحد في دبي علي اقناع عدد من وجهاء القوم بأن يسلموه ملايين الدولارات كي يستثمرها لهم في مضاربات سريعة المخاطر، فانفضح حاله وثبت تزويره ونصبه، في هذا المناخ يأتي منتدي النقوش والكتابات بمكتبة الإسكندرية ليناقش لعبة اختراع النقود من بدايتها إلي ما وصلت إليه. عندما وصلتني الدعوة، قلت لنفسي: إن التسعين خبيرا الذين سيجتمعون لن يزيدوا الجنيهات التي في جيبي جنيها واحدا، كما اني ممن آمنوا منذ نعومة الأظافر أن صرف ما في الجيب خير ألف مرة من انتظار ما في الغيب، لأن "الغيب المصري" منذ نعومة أظافري يقوم بتفريغ أي جنيه من معناه تدريجيا، فعلي سبيل المثال عندما كان مرتبي عشرين جنيها كان هذا المبلغ يساوي ما لا يقل في الزمن الحالي عن خمسة وثلاثين ألف جنيه بحساب أن كل جنيه مصري أيامها كان يساوي جنيها ذهبيا أما سعر الجنيه الذهب حاليا فهو يزيد علي الألف جنيه، وعلي ذلك فقد قمت أنا بالاستمتاع بصرف كل جنيه دخل جيبي عبر الخمسين عاما الأخيرة دون احتياج لمعرفة حكاية النقود، كما أن رواية "شفرة دافنشي" كشفت لي لعبة البنوك وكيفية النصب العلني والسري علي البشر وفنون تجارة الوهم، لذلك فلن أحضر هذا المنتدي وسأكتفي بمتابعة أخباره علي ضوء ما يصلني من إدارة إعلام المكتبة. ولابد أن اعترف لمحمد مصطفي الذي يرسل لي الأخبار من هناك بالدقة والفاعلية وإذا كان محور المنتدي هذا العام هو دراسة "النقود في العالم" كما حدده إسماعيل سراج الدين، فقد همست له في خيالي لماذا لم تقل يا دكتور إسماعيل ان المنتدي سيناقش كيفية النصب الذي تعرض له الكون؟ ثم ألم يكن الناس أكثر أمانة عندما كانوا يستخدمون الخرز والحبوب والملح والأحجار بدلا من أوراق النقد؟ ثم لماذا انسخط شكل الجنيه في المحروسة وفي الكون، ثم كم لصا دخل بشكل سري أو علني داخل أي ورقة نقد كي يفرغها من معناها؟ كل تلك أسئلة أتمني أن تصلني اجابات عنها خاصة ان النقود الحالية صار مجيئها شديد الصعوبة، وهي شديدة التبخر في نفس الوقت، ثم ما دور الحكومات عندما تتدخل بفرض رقابة علي البنوك فلا تعطي الاعتمادات لكل من هب ودب، بل لابد من مراقبة سير النقود وكي تزيد من قيمة هؤلاء الذين وثقوا فيها؟ لقد ثبت بشكل واقعي أن الكرة الأرضية تعرضت لأكبر عملية نصب خلال العام الأخير، وهو ما أسفرت عنه أكبر نوبة اكتئاب اقتصادي في الكون. ومن المؤكد اننا سنتعرف علي بعض ملامح تلك الأزمة خلال مناقشات هذا المؤتمر. وثقتي في أن خالد عزب الذي يشرف علي مركز الخطوط بالمكتبة والذي ينعقد هذا المنتدي بواسطته، لن يبخل علينا بالمعلومات التي تزيح عن قلوبنا هم معرفة كيفية تبخر النقود من جيبونا جميعا؟ ولماذا تكفهر وجوه أصحاب المخابز عندما لا يستطيعون تهريب الدقيق كي يستبدلوه بنقود أكثر من النقود التي يمكن أن تأتيهم ان قاموا بعجن الدقيق وخبزه وعرضه للبيع. وبما اني ألعن النقود ليل نهار، لذلك أتمني أن أقرأ التفاصيل وأنا في الانتظار.