عادت أجواء المصالحة العربية للظهور في المنطقة العربية بعد حقبة من البرود في العلاقات والشد والجذب العلني حول سياسات بعض الدول تجاه المشكلات القائمة مثل المشكلة اللبنانية وما حدث من خلافات حول الاستحقاق الرئاسي. المشكلة أيضا خلاف في وجهات النظر حول جدوي الاستمرار في عملية مفاوضات مع إسرائيل، في حين تماطل إسرائيل وتتلكأ ولا تريد أن تتقدم خطوة واحدة تجاه إنهاء الأزمة المزمنة التي باتت تفرز ثقافة العنف والتطرف وتهدد بانهيار الأوضاع إلي هاوية حروب تدميرية الدافع إليها اليأس والإحباط. أجواء المصالحة بالقطع هي الأفضل والأحسن بالنسبة للمصالح العربية، وإذا كان من المقدر لأي مصالحة أن تستمر فضلا عن أن تتم فإن أسس المصالحة ينبغي أن تكون واضحة ولا تقبل العودة مرة أخري إلي أسلوب الحملات الصحفية المتبادلة التي تسيء إلي الجميع لا إلي طرف واحد من أطرافها. الاختلاف في وجهة النظر ليس مرفوضا فضلا عن أنه من غير الممكن تجنبه مادامت هناك حياة ومصالح ومنافع قد تكون مشتركة في بعضها، ولكنها قد تكون مختلفة ومتعارضة في بعضها الآخر. المهم هنا هو عدم الاندفاع نحو إفساد الأمور علي الآخرين الذين يختلفون في الرؤية ووجهة النظر. إذا كان البعض مثلا - مثل سوريا - يرون أن سياسة المفاوضات لم تحقق النتيجة المطلوبة وأن إسرائيل تماطل ولا تستجيب، وأن اتفاق السلام المصري الإسرائيلي أضعف الموقف العربي.. فهذا حقهم وتلك رؤيتهم وليس معني ذلك أنها صحيحة بل علي العكس أثبتت الأيام أن الذي أضعف الموقف العربي حقيقة هو عدم اقتناع سوريا بموقف مصر من مسألة السلام بعد حرب أكتوبر 73 وجذبوا معهم الإخوة في فلسطين. بعد مرور سنوات وسنوات تبين أن الاصطدام بالمجتمع الدولي الراغب في الاحتفاظ بإسرائيل في المنطقة لم يؤد إلي نتيجة بل علي العكس كسبت إسرائيل مزيدا من تأييد الولاياتالمتحدة وغيرها علي أساس أنها دولة مهددة من الدول العربية الرافضة للسلام. الحقيقة أن إسرائيل لم تكسب فقط من اختلاف المواقف العربية بصورة حادة وعنيفة وإنما ترك ذلك الخلاف أثرا علي المجتمع العربي بوجه عام وعلي الثقافة العربية فجعلها غير قادرة علي ابتكار وسائل وأدوات للخروج من الأزمات واقتصر موقف تلك الثقافة علي ترويد الخلافات والاستقطاب في وجهات النظر وتبادل الحملات الإعلامية التي تزيد من عمق الخلاف بل وتوجد حالة من العداء لا مبرر لها بين النظم الرسمية الحاكمة. ولو تأملنا في وجهتي النظر لوجدنا أن هناك تكاملا بينهما بل علي الأرجح لن يمكن التحليق بالموقف العربي ليصبح قادرا علي التخاطب والتعامل بقوة مع المجتمع الدولي الرسمي الداعم لإسرائيل إلا إذا اتحدت المواقف، ليس شرطا أن تتطابق وجهات النظر ولكن المهم هو أن يصب الجميع في اتجاه المصلحة العربية. إن تحرير الجولان والضفة الغربية والقدس يجب أن يظل هدفا عربيا يسعي كل جانب إلي تحقيقه بالطريقة التي يراها مناسبة مع تحفظ واحد هو ضرورة التنسيق، حتي لا تتقاطع الخطوط وتجد الأطراف العربية نفسها في مواجهة بعضها البعض بدلا من مواجهة المماطلة الإسرائيلية.