مرت خمس سنوات منذ بداية خطة الإصلاح المصرفي وما واكبها من تطور كبير شهدته البنوك في مقدمتها ميلاد عدد من المنتجات المصرفية الجديدة لتشمل القروض وبطاقات الائتمان بعد أن ظلت ثقافة الشارع المصري ولسنوات طويلة موصورة علي الودائع ودفاتر التوفير. قام "الأسبوعي" بإجراء استطلاع رأي لقياس مدي تطور الثقافة الائتمانية للشارع المصري ومدي قدرته علي استيعاب وامتصاص التطورات التي أفرزتها خطة الإصلاح المصرفي حيث كشف الاستطلاع الذي أجري علي عينة عشوائية 300 فرد في تقسيم جغرافي متنوع أن ثقافة المواطن المصري المصرفية مازالت تعاني من تراجع وقصور علي الرغم من التطور الذي شهدته مسيرة الإصلاح المصرفي أوضح الاستطلاع أن فكر العميل الائتماني لم ينموا بذات القدر الذي شهده نمو أشكال المنتجات وتوافر البدائل كشف عن أن نحو 69 شخصا بنسبة 23% من حجم العينة ممن يستخدمون بطاقات الائتمان والقروض يلجأون إليها من باب الاقتناع التام وإدماجها بصورة أساسية في عاداتهم الحياتية سواء أكانت الكريدت كارد أو القروض الاستهلاكية (سيارات وغيرها) عوضا عن التعامل الكاش في حين أوضح الاستطلاع أن نحو 94 شخصا بنسبة 33.3% يلجأون إلي المنتجات الخاصة ببطاقات الائتمان والقروض من باب التقليد ومحاكاة الظروف دون استخدامها بالصورة المطلوبة فكثير من بطاقات الائتمان لا يتم استخدامه بل يتم إيقافه بعد فترة وهناك من يعزف نهائيا عن التعامل ببطاقات الائتمان والقروض ويفضل التعامل مع دفاتر التوفير والودائع والحساب الجاري فقط وبلغت نسبتهم 136 شخصا بنسبة 46%. البنك والعميل من جانبه يقول محمد يوسف الخبير المصرفي إن هذه النتائج توضح سيادة حالة من عدم التفاؤل كثيرا بالانجازات التي تحققت علي مدار السنوات السابقة وأنها لم تكن في مستوي الطموح، فلا يكفي أن يتم رسم وطرح سياسات نقدية وإصلاحية طموحة، بل الأهم هو إيجاد المنفذين القادرين علي ترجمة هذه السياسات والمقصود بذلك ايجاد ونشر ما يدعي "الثقافة المصرفية" لدي العاملين في المصارف والمواطنين علي حد سواء. أضاف أن الأجدر أن نجيب عن تساؤل من المسئول عن تدني الثقافة المصرفية وجهل المواطن بهذه الخدمات؟ وحتي نجيب عن ذلك فإننا سنجد أن الإجالبة سوف تتبلور في عدة اتجاهات تبدأ أولاً في المصارف نفسها نتيجة لنقص خبرة الموظفين وكفاءتهم وافتقارهم إلي روح المبادرة والاجتهاد خوفاً من المساءلة في ظل نظرة الإدارات المصرفية إلي المواطنين كصاحب حاجة في تعامله مع المصرف وليس كعميل يجب السعي لإرضائه. كما نجد أن قيام البنك المركزي بتحريك أسعار الفائدة لأكثر من مرة صعوداً وهبوطاً وبشكل حاد نسبياً ومفاجيئا ولد حالة ارتباك انعكست بشكل سلبي علي المواطنين والإدارات المصرفية علي حد سواء ما دخل كلا الطرفين في إرباكات وتعقيدات عديدة ودفع المواطن إلي البحث عن منافذ أكثر أمنا لمدخراته عن طريق تحويلها إلي مصاغ ذهبية أو شراء عملة صعبة وهو ما ساهم في تقليل استيعاب الخدمات المصرفية فضلا عن تعنت بعض البنوك في سياستها التحوطية التي يتم اتخاذها في مجال التجزئة المصرفية من خلال فرض مخالفات وغرامات بصورة قد لا تكون عادلة في بعض الأحيان وهو الأمر الذي أثار مخاوف وغضب العميل وبالتالي عدم رغبته في التعامل وفقا للتكنولوجيا. يأتي ذلك بالرغم من أن الحكومة كسرت احتكار المصارف العامة للسوق المصرفية عن طريق دخول العديد من المصارف الخاصة مما شكل خطوة مهمة وضرورية سعياً وراء رفع مستوي الخدمات المصرفية وتقديمها إلي المواطن، إلا أن تأثير هذه المصارف لا يزال محدودا وخجولاً بسبب قصر عمر التجربة من جهة وتدني مستوي التعريف والإعلان عن الخدمات المصرفية المتنوعة وتواضع حملات التسويق المرافقة. دراسة حماية المستهلك أشار يوسف الي أنه يضاف الي ذلك عدم تعرف المواطن علي عدد كبير من البنوك العاملة في السوق في ظل خطة الاندماجات والإصلاح الكبيرة التي شهدها القطاع خلال السنوات السابقة وما تبعها من تفاوت في الخدمات المقدمة من البنوك. ويشير إلي أن دراسة "حماية المستهلك" أوضحت التفاوت الكبير بين الفوائد ومزايا السحب من بطاقات الائتمان وعمولة السحب بين 25 بنكا. ويري يوسف أنه حتي ينجح رهان الحكومة في تطوير السوق المصرفية لابد من العمل علي أكثر من صعيد يبدأ من متابعة إصلاح التشريعات المالية وتخليصها من القدر الأكبر من الجمود والابتعاد قدر الإمكان عن الشعارات الفضفاضة والاهتمام بنشر الوعي المصرفي عن طريق حملات توعية تشترك بها جميع وسائل الإعلام ولا توجد غضاضة في إدراج الثقافة المصرفية في مناهج التعليم شريطة أن تتلازم كل هذه الإجراءات مع رفع كفاءة موظفي المصارف وبذلك تكون المصارف قد خرجت من إطار العمل كجامع للأموال ودافع للفوائد لتصبح القاطرة الرئيسية في عملية التنمية ودفع العجلة الاقتصادية. محال بقالة ويضيف أحمد علاء ميسرة الخبير المصرفي أن الثقافة السائدة في الشارع المصري هي أن البنوك المتواجدة حاليا عبارة عن محال وبقالات أكثر من كونها بنوكا وبدلا من الطموح الأكبر في الأمل أن تنهض هذه البنوك بدورها التنموي الاجتماعي، أصبحت مجرد واجهة لمص الدماء فالعميل يعتقد دائما أنه لا يوجد مواطن إلا وهو مدين لها دون أن نري أثرا في المقابل لعمل اجتماعي أو اقتصادي خيري تصدي له أحد هذه البنوك يساعد في إشاعة ثقافة جديدة إلا من بعض المحاولات التي تسير علي استحياء مثل البنك العربي الأفريقي الذي يقدم نشاطا اجتماعيا لا بأس به من خلال جمعية وفاء لمصر. ويري أن الحل الوحيد لنجاح نشر الثقافة المصرفية بين جمهور العملاء لا يمكن تحققه إلا من خلال أن تبادر البنوك بتوسعات جادة وليس من خلال عدد الفروع ولكن الوصول إلي مزيد من الطبقات فما زالت معظم الخدمات الجديدة تخاطب شرائح محدودة من المجتمع بسبب تخوف هذه المصارف إضافة إلي غياب نشاطها في المسئولية الاجتماعية.