ونحن علي مقربة من رأس السنة الميلادية، سيفتح الصحفيون نوافذ ذاكرتهم كالعادة، ويفتشون عن شخصية تكون جديرة بحمل لقب رجل السنة برسم السنة المنتهية، ولن يجدوا هذه السنة في أوطانهم، كما في كل الوطن العربي سوي صحفي ينتمي إلي قبيلة الإعلام، كتب بحذائه أجمل "قُبلة وداع من الشعب العراقي" لزعيم الاحتلال بوش المنتهية صلاحيته، الذي ظل يحلم منذ إطاحته بصدام حسين، بأن يتم استقبال جيوش احتلاله بالورود، فتم استقبال جنوده بالنار، وتم توديعه بالأحذية. وإذ سيسهل علي الصحفيين مع نهاية السنة الجارية، اختيار رجل سنة ،2008 الذي لن يكون، عربيا، سوي منتظر الزيدي، فإن صورة السنة ستظل أيضا ملتصقة بفردتي حذائه. هما فردتان متفردتان في كل هذا المحيط - الخليج، وهذا الخليج - المحيط، وهما قُبلتان متفردتان وصارختان في كل هذا السكون العربي العاجز. يرمي منتظر الزيدي بالفردة الأولي ويصرخ في وجه بوش: "هذه قُبلة الوداع من الشعب العراقي أيها الكلب". ويزيد الزيدي، فيرمي بالفردة الثانية ويصرخ: "وهذه من الأرامل والأيتام والأشخاص الذين قتلتهم في العراق". وما رمي الزيدي إذ رمي، ولكن كل الشعب العربي كان يدا في يده إذ رمي. رمي الزيدي بوش بزوجي حذائه، فانقشعت سحب كثيفة كانت متلبدة ومتبلدة منذ سنين، بين رميتين، فلمع الشرف العربي وضاء مضيئا مُضاء، وتحسس العربي المتيبسة يده وصرخ: هذه يدي. فزد يا زيدي، ولا تنتظر فأنت المُنتظر، زد الفردة علي الفردة ولا تنتظر، فما عادت تنفع المفردة بعد المفردة، وما عاد ينفع القلم، وما عاد ينفع الورق، ولا النقر علي الفأرة، فالرمي بالفردة أسمي وأعلي لتغيير المنكر باليد وبالحذاء، وذلك أقوي الإيمان بالحق الحق الحق. زد يا زيدي فأنت المنتظر، ولا تهادن وتداهن، ودع المراوغ يراوغ، والمراوح مكانه يراوح، وارم الفردة تلو الفردة، فالحذاء أصدق أنباء من الكتب، في حده الحد بين الجد واللعب. ولعل من الهزل الهزيل الضئيل ألا يجد المراوغ إذ يراوغ الحذاء من فردات أو مفردات سوي أن يقول: "إن الفردتين كانتا مقاس 44". نعم لقد راوغ المراوغ الحقيقة الساطعة الناصعة التي تقول إن الرمية كانت مقاس "44"، وأن العالم إذ سيظل يذكر كيف جُلد تمثال صدام عند سقوط بغداد بالحذاء، سيظل يذكر أيضا كيف تم توديع زعيم الاحتلال بالحذاء أيضا. هكذا هو منتظر الزيدي الصحفي، يمزق حذاءه تعقبا للحدث، ثم فجأة يكتشف أنه لا حدث أكبر من فردتي حذائه، يرمي الرمية الأولي فيبتدئ الحدث، يرمي الرمية الثانية فيكبر الحدث، يرمي أرضا فيسيل دمه ويستمر الحدث. والآن، ها هو منتظر الزيدي رجل سنة ،2008 وصحفي ،2008 فيا صحفيي العالم اتحدوا من أجل إطلاق سراح منتظر الزيدي.