يري يين وايمين الوزير الصيني لشئون الموارد البشرية والأمن الاجتماعي أن أوضاع التشغيل في الصين صارت مروعة بل إنها في رأي مجلة "الإيكونوميست" شديدة الترويع إلي حد أن بنك الشعب الصيني أي البنك المركزي قرر يوم 26 نوفمبر الماضي خفض أسعار الفائدة بأكثر من نقطة كاملة مئوية وهو أكبر خفض منذ 11 عاما وذلك بهدف تشجيع النمو. فالتباطؤ الاقتصادي دفع المصانع إلي خفض عدد العاملين وهو أمر زاد المخاوف من احتمال لجوء جيوش المتعطلين المتضخمة إلي التظاهر في الشوارع ذات يوم وتخريب المعجزة الصينية وللتعرف علي حقيقة حجم مثل هذه المخاطر يتعين علي المرء أن يضع في الاعتبار ما يمكن أن تتصاعد إليه معدلات البطالة في الصين خلال الفترة القادمة. والمعضلة في الحقيقة هي أن الأرقام الرسمية الصينية حول مستوي واتجاه معدل البطالة أرقام لا معني لها فالحكومة حتي التسعينيات كانت تضمن الوصول إلي مستوي التشغيل الكامل عن طريق توفير عمل ما لكل شخص بالغ له أجر يمكنه من البقاء علي قيد الحياة فيما كان يسمي بسياسة "سلطانية الأرز الحديدية" ولكن تصاعد الخسائر في المصانع التي تملكها الدولة أدي إلي تخلصها من ثلث العاملين في هذه المصانع خلال الفترة بين عام 1996 وعام 2002 ومع ذلك فإن معدل البطالة لم يرتفع إلا بدرجة قليلة ففي منتصف التسعينيات كان المعدل في المدن 3% أصبح الآن 4% فقط طبقا للأرقام الرسمية. ولكن هذه الأرقام الرسمية لا تتضمن العمال الذين استغنت عنهم الشركات المملوكة للدولة ولذلك عندما بلغت الاستغناءات ذروتها في مطلع العقد الحالي أصبح معدل البطالة الحقيقي أعلي كثيرا من المعدل الرسمي واعتمدت الدولة علي عنصر الزمن في تصحيح هذا التشوه حيث كان المتعطلون إما أن يجدوا أعمالا أو يخرجو كليا من سوق العمل وهناك خلل آخر وهو أن أرقام البطالة الرسمية لا تتضمن سوي المسجلين من سكان المدن وتتجاهل هذه الأرقام ما يقدر بنحو 130 مليونا من أبناء الريف الصيني الذين هاجروا إلي المدن من دون أن يتم تسجيلهم رسميا كسكان مدن ولذلك فإن دراسات عديدة صدرت في بداية العقد الحالي قالت بعد تصحيح هذين النوعين من الخلل إن معدل البطالة الحقيقي في الصين يزيد علي 10% وقد يصل إلي 20% من جملة السكان في سن العمل. ورذا كانت البطالة الصينية عالية بالفعل إلي هذه الدرجة فإنها لن تحتاج إلي كثير من التباطؤ الاقتصادي لكي تندفع إلي مستوي الأزمة وعلي أية حال فإن هناك دراسة حديثة تري أن معدل البطالة قد هبط قليلا منذ بداية العقد الراهن فقد قام البرت بارك الأستاذ في جامعة اكسفورد بالتعاون مع كاي فانج ودويانج من الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية بتحليل مشترك لأرقام التعداد الصيني عن عام 2000 ثم التعداد المصغر (الذي يغطي 1% من السكان فقط) والصادر عام 2005 وكلاهما يتضمن أرقام العمال المهاجرين من الريف. وتشير أرقام التعدادين إلي أن معدل البطالة في المدن قد انخفض من 8.1% عام 2000 ليصبح 5.2% عام 2005 ولكن الرقم ينخفض إلي 4% فقط عندما يتم استخدام التعريف العالمي المتفق عليه لمن يعتبر متعطلاً عن العمل. وباستخدام أرقام الاحصاءين لمراجعة مستوي التشغيل في 5 من المدن الصينية الكبري تبين أن معدل البطالة متضمنا العمال المهاجرين -قد انخفض فعليا من 7.3% عام 2002 ليصبح 4.4% عام 2005 وأن معدل البطالة بين العمال المهاجرين أقل منه بين العمال المقيمين إقامة دائمة في المدن لأن العامل المهاجر يعود إلي قريته بعد وقت معين إذا لم يوفق في الحصول علي عمل ولذلك فإن معدل البطالة بين العمال المقيمين إقامة دائمة في المدن قد انخفض كما تقول الأرقام من 1.1% عام 2002 ليصبح 6.7% عام 2005 ولا شك أن هذاالمعدل قد انخفض أكثر فيما بعد وحتي الآن. والدليل علي ذلك أن قادة المصانع كانوا يشكون في بداية العام الحالي من أنهم لا يجدون عمالة كافية وأن المعروض من العمال لا يكفي حاجة الطلب عليهم ولذلك فإن أجورهم الحقيقية في ازدياد مستمر والمرجح تبعا لذلك أن معدل البطالة في الين لم يكن يتجاوز 3-4% قبل أن يبدأ الاقتصاد الصيني في التباطؤ خلال الصيف الماضي وهذا معناه أنه قد حدث انخفاضا حقيقيا في معدل البطالة الصينية خلال السنوات الخمس الأخيرة وهذا أمر تؤكده أحدث تقارير البنك الدولي حول أداء الاقتصاد الصيني في الفترة من عام 2003 حتي عام 2007 ولكن تقارير البنك تتوقع أيضا انخفاض معدل النمو الاقتصادي في الصين خلال العام الحالي 2008 والعام القادم 2009 بما يعني عودة معدل البطالة إلي الارتفاع مرة أخري ويتوقع البنك ألا يتجاوز معدل النمو الصيني 7.5% في العام القادم وهو أبطأ معدل في العشرين سنة الأخيرة وأقل من المعدل الذي يتوقعه المسئولون الصينيون انفسهم والذي يقال انه 9.5% ومن هنا فقد بدأت فرص العمل تختفي من الصين بالفعل خاصة في المقاطعات الجنوبية حيث اغلقت آلاف المصانع التي كانت تعتمد علي التصدير أبوابها وسرحت ما لديها من عمال. ويأمل المعلقون الصينيون بشكل يشبه الهوس كما تقول مجلة "الايكونوميست" ان يحقق الاقتصاد الصيني نموا بمعدل 8% سنويا في العام القادم لانه المعدل الذي يستطيع امتصاص كل الوافدين الجدد علي سوق العمل ولكن هذا الأمل لن يتحقق علي الأغلب فالنمو المرتفع الذي حققته الصين في العقد الاخير كان يرجع الي كثافة الاستثمار والتحسن السريع في انتاجية العمال وهذا ما جعل البنك الدولي يعتقد ان معدل النمو الاقتصادي الذي تحتاجه الصين لمنع معدل البطالة من الارتفاع لا ينبغي ان يقل عن 9.5% سنويا. والارقام هنا لها أهميتها فالصين أصبحت توجد عدد أقل من فرص العمل مما اعتادت عليه في بداية نموها المعاصر ففي الثمانينيات كانت كل زيادة 1% من اجمالي الناتج المحلي يقابلها زيادة 0.3% في مستوي التشغيل وفي العقد الأخير كانت زيادة اجمالي الناتج المحلي 1% لا يقابلها سوي 0.1% زيادة في مستوي التشغيل فالنمو الصيني اصبح اقل قدرة علي ايجاد الوظائف وبالتالي تحتاج الصين الي سرعة نمو اكبر لكي يمكنها السيطرة علي معدل البطالة واحد أسباب ذلك هو محاباة الحكومة للصناعات كثيفة رأس المال مثل صناعة الصلب والالات وذلك علي حساب الخدمات التي توجد عمالة اكبر ويري لويس كويجز محرر تقرير البنك الدولي عن الصين ان هذا البلد الكبير يحتاج الي التحول من التصنيع بهدف التصدير الي الاستثمار في الخدمات وتشجيع الاستهلاك وعلي الحكومة الصينية ان تراعي ذلك في سياساتها المالية والنقدية والاستثمارية وان تسمح لاعداد متزايدة من عمالها بأن ينالوا نصيبهم العادل من ثمار النمو السريع الذي تحقق في السنوات السابقة حتي يمكنها ان تنجو من الاضرابات الاجتماعية المحتملة.