في حين كان كثيرون يتوقعون تراجعا في معدل نمو الاقتصاد الصيني هذا العام جاءت ارفام الربع الاول من عام 2006 لتؤكد ان العكس تماما هو الصحيح.. فبفضل انتعاش الاستثمار والائتمان الرخيص حقق الاقتصاد الصيني معدل نمو بلغ 10.2% سنويا في الربع الاول من العام الحالي وهو اعلي من معدل العام الماضي الذي لم يتجاوز 9.9% ولذلك بدأ المسئولون الصينيون يخشون من التضخم وسخونة الاقتصاد اكثر مما يجب ولتحجيم هذا الخطر قام البنك المركزي الصيني يوم 27 ابريل برفع سعر الفائدة علي اليوان بنسبة 0.27% ووضع قيودا علي الائتمان الذي يمكن تقديمه لنحو 62 صناعة صينية ويتوقع اتخاذ اجراءات اخري في نفس الاتجاه خلال المستقبل القريب. وتقول مجلة "الايكونوميست" ان هناك بالفعل ما ينبغي ان يقلق بشأنه المسئولون في الصين فمنذ بدأت الصين عام 2004 محاولاتها لتقليل معدل النمو الاقتصادي تأتي نتائج الربع الاول من العام الحالي لتكون الاعلي من نوعها علي مدار العامين الاخيرين، وعلي سبيل المثال فان الاستثمار في الاصول الثابتة مثل الطرق والمصانع والآلات قد زاد بمعدل 27.7% وكانت زيادته في المدن خلال شهر مارس وحده بنحو 32.7% سنويا في حين ان الحكومة كانت تستهدف الا يزيد هذا المعدل علي 18% هذا العام مقابل 27.2% في عام 2005. وفي الربع الاول من 2006 ايضا بلغ حجم القروض التي قدمتها البنوك الصينية 1.26 تريليون يوان (157 مليار دولار) وهو رقم كان مستهدفا تحقيقه في 6 شهور وليس 3 فقط.. كذلك زاد حجم المعروض من النقود بنسبة 18.8% بزيادة 4.7% علي الربع الاول من العام الماضي واعلي من المعدل المستهدف للاقتصاد الصيني وهو 16% خلال عام 2006 بأكمله. وعلي جانب آخر استمر الفائض التجاري الصيني في الزيادة حتي بلغ خلال الربع الاول من هذا العام 23.3 مليار دولار حيث زادت الصادرات بنسبة 26.6% مقابل 24.8% فقط زيادة في الواردات وهذا الفائض يزيد 41% علي نفس الفترة المقارنة من عام 2005 وهو ما سيعطي مصداقية لادعاءات العالم وخاصة امريكا باستفادة الصين من تقويم اليوان باقل من قيمته الحقيقية وعلي ضوء الارقام السابقة لن يقل الفائض التجاري الصيني هذا العام عن العام السابق بل سيحقق زيادة كبيرة ليصبح 101.9 مليار دولار. ويبدو ان القادة الصينيين صاروا يستسبقون معدلات النمو العالية وازدهار الصناعات التصديرية لان ذلك يساعد علي ايجاد المزيد من فرص العمل في بلد بلغ معدل البطالة بين سكان المدن فيه اكثر من 8% الي جانب بطالة مقنعة في الريف يناهز حجمها 150 مليون نسمة.. ولاشك ان خفض معدل النمو سيهدد الاستقرار الاجتماعي في الصين لانه يصب في خانة زيادة اعداد العاطلين عن العمل ولكن توجد خشية في نفس الوقت من ان يكون معدل النمو المرتفع نابعا من انفاق غير رشيد للموارد وهو ما يهدد بغرق البنوك الصينية مرة اخري في دائرة الديون المعدومة والمتعثرة.. ويدفع الاقتصاد الي تباطؤ قاتل اذا جف معين الائتمان الرخيص الذي تقدمه البنوك حاليا. وتقول مجلة "الايكونوميست" انه من الواضح حتي الان ان الحكومة الصينية غير قادرة علي تحقيق هبوط آمن لمعدل النمو الاقتصادي ربما بسبب الخوف من تفاقم مشكلة البطالة في المقام الاول.. وتشير الارقام الي ان معدل النمو الذي كان مستهدفا تحقيقه عام 2006 لا يتجاوز ال8% ولكن كثيرين صاروا يرونه معدلا مستحيل التحقيق وقد بدأ كثير من الاقتصاديين يميلون الي رفعه حتي قبل ان تظهر نتائج الربع الاول من عام 2006.. وعلي سبيل المثال فان الاكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية توقعت في احدث تقرير لها ان يكون معدل النمو الصيني هذا العام في حدود 9.6% اي اقل قليلا جدا من معدل النمو المحقق في عام 2005. والامر المدهش حقا ان البنك المركزي الصيني لايزال يسمح بوجود درجة عالية من فائض السيولة في الجهاز المصرفي الصيني وهو فائض يترجم عادة في صورة قروض وائتمان رخيص قد يتحول الي كارثة جديدة بالنسبة للبنوك الصينية خصوصا اذا وضعنا في الاعتبار انه اذا كانت الارباح الصناعية قد زادت بنسبة 21.3% في الربع الاول من العام الحالي فان الخسائر قد زادت بمعدل اكبر بلغ 32.3% وهو ما يمكن ارجاعه الي ارتفاع الطاقة الانتاجية المعطلة في بعض الصناعات وتصاعد اسعار المواد الخام والمكونات اللازمة لبعض الصناعات الاخري. ويقول بعض المحللين ان اقتراب موعد انعقاد المؤتمر العام للحزب الشيوعي الصيني في العام القادم 2007 ثم بعد دورة بكين للالعاب الاوليمبية سيجعل الحكومة الصينية عزوفة عن اتباع سياسات انكماشية تخفض معدل النمو وتزيد بالتالي من تفاقم مشكلة البطالة وتهز الاستقرار الاجتماعي خصوصا وان كثيرا من المسئولين يصرون علي ان الاقتصاد الصيني لم يصل الي مرحلة السخونة الزائدة.