يواصل البنك المركزي الأوروبي ECB التعامل اليقظ مع معدلات التضخم التي ارتفعت الشهر الماضي الي 1.8% ولذلك لم يكن غريبا ان يقرر البنك في اجتماعه يوم 5 اكتوبر الحالي رفع اسعار الفائدة ربع في المائة اخري لتصبح 3.25% وتقول مجلة "الايكونوميست" ان البنك سيواصل رفع اسعار الفائدة خلال العام الحالي وربما الي العام القادم 2007 ايضا. والحقيقة ان اقتصاد منطقة اليورو يبدو عفيا هذا العام ويفاجئ بادائه معظم المتنبئين.. وفي استطلاع للرأي اجرته مجلة "الايكونوميست" هذا الشهر كانت التوقعات تشير الي ان الاقتصاد الاوروبي سيحقق معدل نمو يبلغ 2.5% في المتوسط خلال العام الحالي وذلك بزيادة 0.2% علي توقعات الشهر الماضي وبزيادة 1% عن العام الماضي كله. وربما كان معدل النمو الاوروبي قد تباطأ في الربع الثاني من العام حيث لم يتجاوز معدل النمو في ذلك الربع ال0.9% ولكن معدل النمو في الربع الثالث سوف يكون اكبر بكثير وذلك حسب ما تقول مؤشرات الصناعة والخدمات ومبيعات التجزئة التي نشرت منذ أيام. وهناك من يري ان النمو في العام الحالي سيكون افضل من أي عام آخر منذ عام 2000 حتي الآن فمعدل النمو في تلك السنوات لم يتجاوز قط حد ال2% سنويا في المتوسط ولكن هناك ايضا من يعتبر الاداء الجيد للاقتصاد الاوروبي هذا العام قمة دورة اقتصادية سيعود بعدها الي التباطؤ مرة اخري. ويمكن القول بان منطقة اليورو تحتاج إلي أمرين علي المدي الطويل لكي يستمر التحسن في ادائها الاقتصادي: الأمر الأول هو زيادة معدل التشغيل وبالتالي خفض معدل البطالة والامر الثاني هو زيادة الانتاجية بسرعة اكبر وهناك بالفعل تحسن في هذين العنصرين. ففي سوق العمل نجد أن متوسط معدل البطالة في دول اليورو لا يتجاوز ال7.9% وهو نفس المعدل الذي كان سائدا عند ذروة الدورة الاقتصادية السابقة عام 2000 ورغم ان الضغوط من أجل زيادة الأجور قد اشتدت فإن ما حدث من زيادة بالفعل لايزال في الحدود المعقولة ولم يتجاوز 2.3- 2.4% في العام الأخير حتي الربع الثاني العام الحالي، وبالتالي فإن الزيادة في تكاليف العمل لم تكن كبيرة حيث خشي العمال ونقاباتهم امكان نقل الشركات لمصانعها الي الصين واوروبا الشرقية وفقدانهم بذلك لوظائفهم. اضف إلي ذلك ان معدل البطالة وإن كان اكبر من المعدل الامريكي الذي لا يتجاوز ال5% إلا انه يعتبر معدلا جيدا وهو يقل عن المعدل الذي كان سائدا عام 1997 الذي وصل الي 9% سنويا.. وتقول المفوضية الاوروبية في تقريرها ربع السنوي عن حالة الاقتصاد في منطقة اليورو ان معدل البطالة قد انخفض علي الرغم من استمرار الزيادة في المعروض من قوة العمل بنسبة 1% سنويا منذ اواخر التسعينيات.. واكثر من ذلك فإن نسبة الباحثين عن العمل او العاملين في الشريحة السنية بين 55 و64 عاما قد زادت من 37.5% عام 2000 لتصبح43.7% العام الماضي وهذه علامة مشجعة. اما علي صعيد الانتاجية، فهناك ايضا ما يثلج الصدر وهنا يقول ايريك تشاني الخبير الاقتصادي في مورجان ستانلي ان الانتاجية في الساعة زادت في النصف الأول من العام الحالي بمعدل 2.6% سنويا وهو ضعف معدل الزيادة السنوية في الفترة 2000-2005 اي في السنوات الست الأولي التي اعقبت ظهور العملة الاوروبية الموحدة، ومع ذلك ففي بلد مثل فرنسا كانت زيادة الانتاجية بمعدل اكبر حيث بلغت 3% في النصف الأول من العام، ويري تشاني ان الشركات الاوروبية بدأت تجني ثمار إنفاقها علي الاستثمار في تكنولوجيا المعلومات وهو أمر سبقتها إليه الشركات الامريكية. ومع ذلك فربما يواجه المتفائلون بمستقبل اقتصاد منطقة اليورو اختبارا مهما بعد شهور قليلة حيث يتراجع النمو في الطلب الاوروبي بسبب ضريبة القيمة المضافة في المانيا واجراءات التقشف لضبط الموازنة في ايطاليا، وصحيح ان التباطؤ الامريكي قد لا يؤثر كثيرا في دول اليورو لان قاطرة النمو فيها تعتمد علي الطلب الداخلي ولكن اسعار البترول قد تعود الي الارتفاع مرة اخري بما قد يؤدي الي التأثير في الطلب الداخلي سلبيا، ومع ذلك فإن اتجاه الدول البترولية الي زيادة وارداتها من دول اليورو يمكن ان يعوض هذا التأثير السلبي وقد يكفي ان نعرف ان صادرات منطقة اليورو الي الدول البترولية قد زادت 17% في العام الماضي وحده وان هذا اتجاه له جذوره التي ترجع الي الفترة 2000- 2005 حيث كانت الدول البترولية تزيد وارداتها باستمرار من الاتحاد الاوروبي خلال تلك الفترة. وباختصار، فإن تعافي اقتصاد منطقة اليورو سيكون هو الشغل الشاغل للبنك المركزي الاوروبي وانه سيعمل علي استخدام سعر الفائدة لضبط ايقاع هذا التعافي ومنع التضخم من الزيادة علي حدود معينة، وهذا هو ما يجعلنا نتوقع استمرار الزيادة في اسعار الفائدة الاوروبية خلال الفترة القادمة وهو ما يعني في نفس الوقت استمرار الازدهار الحالي في النمو الاقتصادي لدول اليورو خلال السنوات القادمة.