حتي مساء الاثنين 27 مارس 2006 لم يكن أحد يعرف كيف سيقود بن برنانك الرئيس الجديد لبنك الاحتياط الأمريكي السياسة النقدية في الولاياتالمتحدة ولكن الرجل أوضح بجلاء في ذلك اليوم أنه سيسير علي خطي سلفه العظيم اَلان جريسنبان وأنه سيضع محاربة التضخم علي رأس أولوياته. وتقول مجلة الإيكونوميست إنه منذ بدأ بنك الاحتياط الأمريكي رفع أسعار الفائدة في يونيو 2004 كانت السياسة النقدية الأمريكية واضحة.. لقد كان سعر الفائدة 1% وهو أدني مستوي وصلت إليه وبدأ بنك الاحتياط رفعها بمعدل 0.25% في كل اجتماع حتي وصلت إلي 4.5% في يناير الماضي.. واعتبر كثير من الاقتصاديين أن هذا السعر سعر مناسب أي سعر لا يحفز الاقتصاد ولا يحد من حركته.. وتولي برنانك القيادة خلفا لاَلان جرينسبان اعتبارا من أول فبراير 2006.. وترقب الناس ما سيفعله برنانك بالسياسة النقدية.. وكان عليه أن يقرر هل سيواصل رفع أسعار الفائدة وبأي نسبة؟ أم أنه سيبقي عليها كما هي ثم ينتظر ليري؟ وفي اجتماع لجنة السياسات يوم 27 مارس تم الاتفاق علي رفع سعر الفائدة 0.25% لتصبح 4.75% وأعلن برنانك أن التضخم هو الشبح الذي سيواصل مطاردته وأن الاقتصاد الأمريكي بعد أن تباطأ في الربع الأخير من عام 2005 محققا 1.6% كنسبة نمو عاد ليكتسب قوة دفع جديدة وأنه سيحقق في الربع الأول من عام 2006 معدل نمو يناهز ال 5% سنويا ومن ثم يتعين الاستمرار في رفع أسعار الفائدة.. ولوح برنانك بالمزيد من رفع أسعار الفائدة مادام النمو الاقتصادي قويا واحتمالات التضخم قائمة. ولاشك أن المراقبين كانوا علي حق في توجسهم إزاء الخطوات المحتملة لبنك الاحتياط الأمريكي تحت قيادته الجديدة فقد حدثت تغيرات واسعة في قيادات بنك الاحتياط لم تقتصر علي رئيسه اَلان جرينسبان الذي حل محله بن برنانك وإنما امتدت إلي نائب الرئيس روجر فيرجيسون الذي يحتل هذا المنصب منذ عام 1997 وعدد اَخر من أعضاء مجلس الإدارة. وهناك من يري أن الأعضاء الجدد عدا برنانك ودون كوهن هم من ذوي الخبرة المحدودة في مجال السياسة النقدية.. ولكن ما يعوض ذلك أن برنامك من ذوي الخلفية الأكاديمية العميقة في مجال السياسات النقدية كما أن العديد من أعضاء لجنة السياسات يعدون من المتخصصين ذوي الثقل الواضح. وتقول مجلة الإيكونوميست إن ما ينقص التركيبة الجديدة لبنك الاحتياط الأمريكي حقا هو الخبرة في التعامل مع الأزمات.. لقد صنع جرينسبان اسمه أصلا من خلال تعامله الحاذق مع انهيار البورصة عام 1987 بعد فترة وجيزة من توليه قيادة بنك الاحتياط.. وهناك من يتوقع أن يستطيع برنانك التعامل مع أية أزمة بمهارة لا تقل عن مهارة جرينسبان.. ومن حسن الحظ علي أية حال أنه لا توجد في الأفق أزمة قريبة الحدوث.. ولكنه سيتعين علي بن برنانك وفريقه إعادة معايرة السياسة النقدية للولايات المتحدة في الفترة القادمة، ومعروف عن الرجل أنه يفضل أن يكون هناك معدل تضخم واضح لكي يتدخل من أجل إيقافه وهي فكرة تأخذ بها بنوك مركزية أخري، ولكن بنك الاحتياط الأمريكي لا يأخذ بها. وعموما فقد أوضح برنانك أنه لن يدخل أي تغيير سريع أو مفاجيء علي السياسة النقدية.. ويبدو أنه ينوي أن يقنع الأمريكيين أولا بمزايا فكرته عن معدل التضخم الواضح قبل أن يبدأ في دفع لجنة السياسات نحو تبني المواقف التي تتلاءم معه. ويتجه برنانك في وضع سياساته الخاصة إلي الاعتماد علي مجموعة متنوعة من المؤشرات وهو نفس الشيء الذي سيفعله في المستقبل قبل أن يقرر ما سيفعله بالنسبة لأسعار الفائدة أو بالنسبة لما يعده من تنبؤات طويلة الأجل بشأن الاقتصاد الأمريكي. ويبدو أن أهم مشكلة تواجه برنانك هي أن الاقتصاد الأمريكي يرسل إشارات متناقضة فبعض الأرقام مثل انخفاض معدل الادخار وارتفاع معدل عجز الميزان الحسابي تفترض أن الاقتصاد لا يمكنه الاعتماد علي نفسه.. ومع ذلك فمعدل النمو الذي يحققه الاقتصاد الأمريكي في بعض الأحيان يكون قويا علي نحو غير متوقع.. وهكذا يمكن القول بأن برنانك لم يقل كلمته الأخيرة بعد وأنه يتفكر في الطريق الذي يتعين عليه أن يسلكه وأن رفعه لأسعار الفائدة وتلويحه بالمزيد ليس سوي صدي لما كان يحدث في عهد سلفه العظيم اَلان جرينسبان.