عندما أقر الكونجرس الأمريكي يوم 3 أكتوبر بصفة نهائية خطة الإنقاذ التي تقدمت بها حكومة الرئيس بوش والبالغ تكلفتها 700 مليار دولار تعهد بن برنانك رئيس بنك الاحتياط الفيدرالي أنه سوف يستخدم كل السلطات المتاحة له من أجل مواجهة ناجحة مع الأزمة المالية. وتقول مجلة "الايكونوميست" إن الرجل أوفي بوعده ففي يوم 6 أكتوبر ضاعف بن برنانك حجم القروض التي يعرض تقديمها للبنوك ليصبح 900 مليار دولار وبعد ذلك بيوم واحد أعلن بنك الاحتياط عن استعداده ولأول مرة في تاريخه لتقديم قروض غير مضمونة إلي الشركات والبنوك وذلك عن طريق شراء ما لديها من أوراق مالية يعجز عن تسويقها.. وهذا الأسلوب يعني نظريا استعداد البنك لتقديم أي نوع من القروض بما في ذلك اقراض الدولة الفيدرالية والحكومات المحلية وسوق الانتربانك.. وفي يوم 8 أكتوبر قام بنك الاحتياط الأمريكي أيضا بالتنسيق مع عدد آخر من البنوك المركزية في العالم بخفض أسعار الفائدة، وخفض سعر الفائدة علي القروض الفيدرالية من 2% ليصبح 5.1% فقط ويمكن أن ينخفض أكثر من ذلك حتي يصل ربما إلي الصفر. ومعروف أن خفض أسعار الفائدة هو سلاح تقليدي وشائع لمواجهة مخاطر الركود العميق. ولكن الخطوات الأخري خطوات مستحدثة اتخذها بنك الاحتياط في ضوء ما سمح له به قانون إقرار الضمانة الحكومية "ضمانة ال 700 مليار دولار" من دفع فائدة للبنوك التجارية علي أموالها المودعة لديه. وهذه نقطة مهمة لأنه في كل مرة يقدم فيها بنك الاحتياط قرضا فإنه يوجد احتياطيات إضافية للبنوك. وتقوم البنوك بإقراض احتياطياتها الزائدة لبعضها البعض لتخفف الضغط علي سعر الفائدة لدي الصناديق الفيدرالية. بل إن البنوك يمكنها أيضا إقراض هذه الاحتياطيات الزائدة لبنك الاحتياط الفيدرالي مرة أخري. ورغم أنه ليس هناك ما يضمن نجاح كل هذه الخطوات خصوصا وأن البورصات في حالة تذبذب وانخفاض مستمر فإن سياسة برنانك واضحة تماما.. فبنك الاحتياط سيقدم القروض لكل من يريد وقتما يطلب حتي يتم احتواء أزمة الائتمان تماما.. وهذه سياسة لن تتوقف عند حد. ولذلك نجد أن ميزانية بنك الاحتياط قد ارتفعت من 900 مليار دولار في أغسطس الماضي لتصبح 5.1 تريليون دولار في أول أكتوبر وقد تصل قريبا جدا إلي تريليوني دولار.. وهذا المبلغ لا يساوي إلا 14% فقط من إجمالي الناتج المحلي الأمريكي وقد لاحظ فنسنت رايتهارت خبير معهد أمريكان انتربرايز في واشنطن أن سياسة "التهدئة الكمية" هذه سبق أن اتبعتها اليابان وخلالها وصلت ميزانية البنك المركزي الياباني إلي 30% من إجمالي الناتج المحلي للبلاد.. وهذا معناه أن ميزانية بنك الاحتياط الأمريكي يمكن أن تصل إلي نفس النسبة في ظل سياسة التهدئة الكمية المتبعة حاليا. وليس معني ذلك أن سياسة بنك الاحتياط الأمريكي يمكن أن تتخذ نفس مسار سياسة البنك المركزي الياباني أو أن تنتهي إلي نفس النتائج المحدودة.. بل يمكن القول إن سياسة بنك الاحتياط الأمريكي تسير في مسار مختلف لأن هدفها الرئيسي هو تقديم القروض وليس إيجاد الاحتياطيات بل إن إيجاد الاحتياطيات هو مجرد نتيجة ثانوية لهذا الهدف الرئيسي. ويقول فريدريك ميشكين الاقتصادي بجامعة كولومبيا إن سياسة التهدئة الكمية كما ينفذها بن برنانك تستهدف زيادة المستوي الكلي للسيولة في النظام المالي مع التركيز علي القطاعات التي تعاني من الاضطراب بشكل خاص. وتقول مجلة "الايكونوميست" إن بنك الاحتياط قد يواجه العقبات أثناء تنفيذه لهذه السياسة وبعض هذه العقبات قانوني حيث إنه محظور عليه مثل كل البنوك المركزية تقديم قروض غير مضمونة.. ولكنه علي أية حال يتحايل علي هذه العقبة وعلي غيرها من العقبات السياسية والمالية التي قد تواجهه فمثل هذه العقبات أياً كانت أهون من ترك الاقتصاد الأمريكي يقع فريسة للانهيار.. وما يميز سياسة التهدئة الكمية التي يتبعها بنك الاحتياط الفيدرالي عن نظيرتها اليابانية أن البنك المركزي الياباني لم يتدخل إلا بعد عشر سنوات من بدء الأزمة عندما نضبت قدرة البنوك اليابانية علي تقديم القروض كليا.. أما البنك الأمريكي فإنه يتدخل مبكرا وفي الوقت الذي لاتزال فيه كثير من البنوك الأمريكية قادرة علي مواصلة الاقراض ولذلك كله فإن فرص نجاح بنك الاحتياط الفيدرالي أفضل كثيرا من فرص النجاح التي كانت أمام البنك المركزي الياباني. ومن حسن الحظ أن تشخيص برنانك للأزمة انها أزمة سيولة وليست أزمة إفلاس مالي واقتصادي وهذا صحيح بكل المقاييس ولذلك فإنه يركز بكل أدواته علي حل مشكلة السيولة إما بشراء الأصول الهالكة من البنوك عن طريق ضمانة ال 700 مليار دولار أو عن طريق زيادة قدرة بنك الاحتياط الفيدرالي علي الإقراض حتي لو أدي ذلك إلي مضاعفة ميزانيته أكثر من مرة.