أخيرا وافق الكونجرس الامريكي بمجلسيه - الشيوخ والنواب - علي الخطة المعدلة التي تقدم بها الرئيس جورج بوش وإدارته من اجل اصلاح ما أفسده الاعصار المالي الذي يهب علي الولاياتالمتحدة منذ اسابيع، وتقض الخطة كما هو معروف بأن تقوم الحكومة الفيدرالية باستخدام 700 مليار دولار من أموال دافعي الضرائب في شراء الاصول الهالكة من سوق الرهونات العقارية وهي خطوة يتصور اساطيل الادارة الامريكية وفي مقدمتهم هائك بولسون وزير الخزانة وبن برنانك رئيس بنك الاحتياط الفيدرالي انها ستحمي الجهاز المصرفي الامريكي من الانهيار وتعيد لبقية المؤسسات المالية توزانها المفقود. وفي حين تهز توابع الزلزال المالي الامريكي اسواق المال والاجهزة المصرفية في مختلف انحاء العالم خاصة الاتحاد الاوروبي فإن دول العالم تتداعي من اجل عقد مؤتمر عالمي يتم الاتفاق من خلاله علي علاج جذري لهذا الدمار. وتقول مجلة "تايم" ان حجم تمويل خطة العلاج الامريكي ضخم علي نحو غير مسبوق، فالمبلغ المقترح "700 مليار دولار" كان يمكن ان يسدد 7% من اجمالي الدين الوطني الامريكي البالغ 8.9 مليار دولار، وهو يكفي لاعطاء كل فرد امريكي 2300 دولار او اعطاء كل رب اسرة امريكية 6200 دولار، كما انه في مجال المقارنات يعادل اجمالي ضريبة الدخل لكل الامريكيين الذين يكسبون 500 ألف دولار فأقل في السنة، وهو ايضا يكفي لتغطية ميزانية الدفاع وميزانية التعليم وشئون الدولة والمحاربين القدماء ووزارة الداخلية ووكالة ناسا للفضاء في العام القادم واذا شئنا الاستمرار في المقارنات فإن هذا المبلغ يماثل اجمالي الناتج المحلي للاقتصاد الهولندي الذي يعد الاقتصاد رقم 17 في العالم. ورغم ضخامة هذا المبلغ علي النحو الذي اوضحناه للتو فإن مجلة "الايكونوميست" تري ان الخطة يمكن ان تعمل وتفيد كما انها ايضا يمكن ان تفشل وتخيب، وفي الحالة الاولي سوف ينجو الاقتصاد الامريكي دون شك من الانهيار، أما في الحالة الثانية اذا كان تأثير الخطة محدودا جدا او بطيئا جدا فسيحدث انهيار مالي شامل في الولاياتالمتحدة وسيدخل العالم في ركود عميق يستمر لعدة سنوات قادمة. واذا كان العالم قد استقبل الاقرار النهائي لخطة العلاج الامريكية مساء الجمعة الماضي بالترحيب فإن الساحة العالمية لا تخلو من اصوات تنتقد السياسة الامريكية من مختلف الجوانب، فهناك من يري ان الولاياتالمتحدة - كالعادة - تتصرف بشكل اناني وتتبع سياسات خاطئة وتترك الآخرين يجنون الثمار المرة لهذه السياسات، وهناك من ناحية اخري من يري ان الولاياتالمتحدة حتي الآن تعالج الاعراض ولا تعالج الاسباب الحقيقية للمرض، وهؤلاء يقولون خاصة في اوروبا ان الولاياتالمتحدة هي معقل الرأسمالية المالية، وان هذا النوع من الرأسمالية قد توسع بأكثر مما تحتمله ظروف الاقتصاد الامريكي والعالمي علي حد سواء وان الاوان قد حان لتقليص حجم الرأسمالية المالية ووضعها في اطار تابع وليس قائدا للاقتصاد الحقيقي، والحقيقة ان معظم دول اوروبا خاصة المانيا هي التي تتبني هذا الرأي وتدعو لوضع نظام مالي عالمي جديد من خلال مؤتمر دولي يعقد خصيصا لهذا الغرض، وقد كان قادة كل من المانياوفرنسا هم الذين أعلنوا للعالم في الايام الماضية ان الاعصار المالي الراهن سيهز لا محالة وضع امريكا المهيمن علي اسواق المال العالمية ثم انضمنت اليها كندا بعد ذلك. وقد دعت فرنسا الي قمة اوروبية مصغرة انعقدت يوم السبت الماضي في باريس وكانت قمة رباعية ضمت قادة المانياوفرنسا وانجلترا وايطاليا واكتفت القمة بالتنبيه المشدد الي خطورة الاعصار المالي الراهن علي الاقتصاد الاوروبي ودعت الي قمة اوروبية موسعة ينتظر ان تعقد قبل نهاية الاسبوع الحالي وتضم الدول السبع والعشرين الاعضاء في الاتحاد الاوروبي من اجل تحديد العلاجات الاوروبية الواجبة الاتباع. ومن الدعاوي البارزة التي ترددت في صحف الغرب دعوي لجوء الادارة الامريكية الي تحميل دافع الضرائب الامريكي ثمن الاخطاء القادمة للرأسمالية المالية.. ودعوي اضطرار الحكومة الامريكية الي استخدام اساليب اشتراكية تصل الي حد التأميم من اجل علاج مشكلات المجتمع الرأسمالي.. ولكن هناك علي اية حال اجماع علي ان الاوضاع لن تعود الي سابق عهدها ما لم يتم محاسبة المسئولين عن القرارات المالية الخاطئة غير المحسوبة التي قادت العالم الي هذه الكارثة. بقي ان نقول مع مجلة "الايكونوميست" ان هذا التمدد غير الطبيعي للرأسمالية هو ثمرة سنوات طويلة من الائتمان الرخيص الذي اتاحته سياسات الان جرينسبان رئيس بنك الاحتياط الفيدرالي الامريكي السابق علي حساب مصالح اصحاب الودائع المصرفية حينما خفض اسعار الفائدة الي ادني مستوي ولفترة ممتدة بدعوي تشجيع الاستثمار والمستثمرين.