جاء الرفض الفرنسي والهولندي لدستور الاتحاد الاوروبي بمثابة اداة ضغط جديدة علي الادارة المالية للاتحاد واثارت تساؤلا جديدا حول قدرة اليورو علي البقاء كعملة اوروبية موحدة. ووصف "جيد كلود تريتشت" محافظ البنك المركزي الاوروبي (ECB) فكرة او حتي احتمال انهيار الوحدة النقدية الاوروبية بانها فكرة سخيفة. وتشير مجلة الايكونوميست الي ان استفتاء للرأي العام قامت به مجلة "شتيرن" الالمانية الاسبوعية اوضح ان 56% من افراد العينة المشتركة فيه يريدون عودة المارك الالماني مرة اخري، كذلك فان هناك من السياسيين والمسئولين الالمان من يري الخروج من منطقة اليورو كوسيلة لابطاء دفعة قوية للاقتصاد الالماني، كذلك اعلن روبرتو ماروني وهو وزير ايطالي سابق للشئون الاجتماعية يوم 3 يونية الحالي ان ايطاليا ستكون افضل حالا مع الليرة الايطالية القديمة. بل ان فكرة اختفاء اليورو ليست بعيدة عن اذهان العاملين في اسواق المال الاوروبية حيث عمد تجار العملة في مطلع العام الحالي الي خفض قيمة اليورو من 1.35 دولار لتصبح 1.22 دولار فقط لكل يورو، بل وانعكست علي اسواق السندات ايضا فكرة ان منطقة اليورو صارت منطقة اقل تماسكا عن ذي قبل حيث يتزايد الفارق بين عوائد السنوات في كل من ايطاليا والمانيا واليونان في حين كان المفترض ان يتراجع او حتي يتلاشي تماما هذا الفارق لو قويت الاواصر بين اسواق المال في دول منطقة اليورو. ولكن لا ينبغي ان يتصور احد ان منطقة اليورو سوف تتمزق غدا وان كان احتمال تمزقها يظل قائما كاحتمال ضئيل، فلو كانت منطقة اليورو ذات اداء اقتصادي قوي ما اثار الرفض الفرنسي والهولندي لدستور الاتحاد الاوروبي كل هذا الغبار بل ربما كان الفرنسيون والهولنديون قد وافقوا علي دستور الاتحاد الاوروبي ولم يرفضوه، ومن الواضح ان ايطاليا تعاني اقتصاديا بشدة وان المانيا قد تكون اقل معاناة ولكنها تشكو من ضعف الطلب الداخلي، وقد اظهرت التنبؤات الشهرية التي تصدرها مجلة "الايكونوميست" ان معدل نمو اجمالي الناتج المحلي الالماني لن يتجاوز ال 1.1% هذا العام وان نسبة البطالة في فرنسا تجاوزت 10% وهذا هو حال اكبر اقتصادات منطقة اليورو. والمؤكد ان ضعف الاداء الاقتصادي يجعل الضيق السياسي الاوروبي بطرق ابواب بنك اوروبا المركزي حيث يطالب كثير من السياسيين وبعض الاقتصاديين هذا البنك بخفض اسعار الفائدة من اجل تنشيط الطلب ولكن البنك المركزي الاوروبي لا يستجيب علي الرغم من انه خفض منذ ايام توقعاته بشأن معدل النمو الاوروبي ليصبح 1.1 - 1.7% فقط. اكثر من ذلك فالمرجح ان السيد تريتشت يميل في باقي هذا العام الي رفع اسعار الفائدة بدلا من خفضها.. فقد اعلن يوم 7 يونية انه مستعد لزيادة وليس خفض اسعار الفائدة لانه لا يريد زيادة الاحتمالات التضخمية في الاقتصاد الاوروبي وفتح الباب امام زيادة عوائد السندات طويلة الاجل والتي وصلت الي ادني مستوي لها منذ الحرب العالمية الثانية. والحقيقة كما تقول مجلة "الايكونوميست" ان معظم البلاء الاوروبي يكمن في نقص الاصلاحات الهيكلية التي تحتاجها اقتصادات دول اليورو.. فعدم القيام بما هو مطلوب وضروري من اصلاحات هيكلية يجعل فرص دول اليورو في النمو محدودة ويضيق من مجال المناورة امام البنك المركزي الاوروبي بعكس مجال المناورة المتسع امام بنك الاحتياط الامريكي، وقد اظهر تقرير بعنوان "الاتحاد النقدي الاوروبي في مهب الخطر" اعده ثلاثة خبراء من مركز دراسات السياسة الاوروبية في بروكسل ان السياسة النقدية الاوروبية علي وجه العموم اقل قابلية للتنوع من نظيرتها الامريكية وان بنك الاحتياط الفيدرالي الامريكي يمكنه خفض او رفع اسعار الفائدة مع تغير الظروف في حين لا يتمتع البنك المركزي الاوروبي بنفس المساحة من المرونة. وباختصار فان دول منطقة اليورو تتنفس بصعوبة تصل الي درجة الحشرجة وصفير الصدر.. فالطلب المحلي لا يزال ضعيفا، والاقتصاد الالماني اكبر اقتصاداتها مطروح علي ظهره.. اما الاقتصاد الايطالي ثالث اكبر اقتصاداتها فهو في مرحلة تقلص وتآكل.. وبرغم ان البنك المركزي الاوروبي لا يمكن اتهامه بانه سبب هذه المشاكل فانه يستطيع تخفيفها بخفض اسعار الفائدة وهو امر قد يحدث بالفعل في الشهور القليلة القادمة.