لم تفاجأ أوروبا برفض فرنسا وهولندا للدستور الاوروبي الجديد الذي شارك في صياغته الرئيس الفرنسي الاسبق فاليري جيسكار ديستان لكنها اهتزت وارتبكت ودخلت في اكبر ازمة تشهدها منذ 50 عاما وبدأت تداعيات الرفض تظهر علي شكل فقد الثقة في الاتحاد حتي من داخله فثارت احاديث عن وقف برنامج التوسعة وظهر مشككون حتي في جدوي الاستمرار بالعمل بنظام الوحدة النقدية الاوروبية، ومع غياب البديل تتفاقم المشكلة قبل قمة الاتحاد الاوروبي المقررة يومي 16 و17 يونية الجاري التي دعا الرئيس الفرنسي جاك شيراك والمستشار الالماني جيرهارد شرودر الي جعلها وقفة للتأمل. وكان من اكثر التداعيات تأثيرا علي الاسواق في اوروبا في الأيام القليلة الماضية دعوة وزير ايطالي للتخلي عن العملة الأوروبية الموحدة والعودة الي الليرة. خرج وزير الشئون الاجتماعية الايطالي يوم الجمعة الماضي بهذه التصريحات المذهلة التي أحبطت سعر اليورو والذي كان قد انخفض بالفعل في الفترة الأخيرة الي ادني مستوياته في سبعة اشهر.. وحمل الوزير الايطالي رئيس البنك المركزي الاوروبي جان كلود تريشيه مسئولية انهيار اليورو وطالب بعودة السيطرة علي اسواق الصرف والسياسات النقدية للحكومات الاوروبية مشيدا ببريطانيا التي قال انها مثال "مشرف" علي احترام العملة الوطنية وحماية مصالح البلاد بسبب عدم دخولها منطقة اليورو. لكن وزير الشئون الاجتماعية ليس من المؤثرين علي وضع السياسات الاقتصادية في ايطاليا ولا يتوقع ان تأخذ السلطات برأيه غير انه مع ذلك يعكس الحيرة والتخبط في أوروبا علي أعلي المستويات كما ان تصريحاته أثارت ردود فعل في أوساط المال من ابرزها رد كبير الاقتصاديين في البنك المركزي الاوروبي الذي قال ان خروج ايطاليا من منطقة اليورو "سيكون بمثابة انتحار اقتصادي". وبعد الرفض الفرنسي والهولندي للدستور الذي يهدف الي تسهيل وتوحيد وتسريع عملية اتخاد القرار داخل الاتحاد انقسمت اراء الاقتصاديين بشأن اليورو بين متفائلين يرون في العملة الموحدة بر أمان وسط العواصف السياسية استنادا لصلابة موقف البنك المركزي وعدم رضوخه لضغوط لخفض الفائدة لتحسين اوضاع بعض الدول المتعثرة وهو ما كان سيحدث بالتأكيد لو كانت كل دولة مازالت متحكمة في سياساتها النقدية. ويقدر هؤلاء انه لن يكون لرفض الدستور سوي أثر محدود علي سعر اليورو الذي يري البعض في ضعفه ميزة تنافسية للصادرات الاوروبية، اما المتشائمون فيرون امكانية اتساع نطاق الافتقار للثقة وحالة عدم التيقن بشأن السياسات الاوروبية مما يهز ثقة المستهلكين واصحاب الاعمال ويؤدي الي تراجع سعر اليورو مما يثير موجة للتخلص منه بالبيع قد يستتبعها انهيار العملة، وربما كان هذا القلق هو ما دفع الوزير الايطالي للإدلاء بتصريحاته التي دعا فيها الي سرعة القفز من السفينة الغارقة. وللرفض الفرنسي والهولندي للدستور الاوروبي تداعيات اخري أثارت الكثير من اللغط في الفترة الاخيرة فقال البعض ان الرفض ربما كان يهدف الي وقف برنامج توسعة الاتحاد الاوروبي خاصة ضم تركيا المسلمة لكن المفوضية الاوروبية سارعت بنفي اي صلة بين الدستور وبرنامج التوسعة الذي يمضي قدما بالنظام المتبع حاليا في ادارة الاتحاد ولا ينتظر التعديلات الهيكلية التي يطرحها الدستور الجديد. ويدعو الدستور الي تسهيل قيادة الاتحاد عن طريق اختيار المجلس الاوروبي الذي يضم زعماء الدول الاعضاء رئيسا للاتحاد لمدة عامين ونصف العام قابلة للتجديد بدلا من نظام الرئاسة الذي يتغير كل ستة أشهر حاليا.