التضخم مثل الحمل ظاهرة مزعجة بأعراضه ونتائجه والامر المؤسف ان الاسعار الاستهلاكية تتجه الي الزيادة في كل انحاء العالم. ففي امريكا التي تقف علي ابواب الركود اوضحت الارقام التي اذيعت منتصف يناير الماضي ان اسعار المستهلك زادت بنسبة 4.1% في شهر ديسمبر الماضي عما كانت عليه منذ عام في حين ان هذه الزيادة لم تكن تتجاوز ال 5.2% في شهر ديسمبر من عام 2006. وفي دول منطقة اليورو اصبح معدل التضخم 3.1% اما في الصين فقد قفز الي 6.9% وهو اعلي معدل منذ 11 عاما. وطبقا لمؤشر قام بوضعه خبراء جولدمان ساكس يتضح كما تقول مجلة "الايكونوميست" ان معدل التضخم في العام المنتهي مع نوفمبر 2007 قد بلغ 4.8% علي مستوي العالم بزيادة 2% عن العام الذي سبقه. واتضح ايضا ان الاسعار تزايدت في 80% من البلدان التي قام بفحصها خبراء جولدمان ساكس. وبالمقارنة التاريخية يمكن اعتبار هذه المعدلات منخفضة حيث كان معدل التضخم العالمي في السبعينيات علي سبيل المثال 10% فأكثر وقد استمرت هذه الزيادة في الاسعار لفترة اطول انذاك في الاسواق الناشئة. وفي معظم عقد التسعينيات كانت زيادة الاسعار في الدول الفقيرة 50% في المتوسط. ومع ذلك، فإن تعاظم التضخم الراهن يفرض سؤالين علي جانب كبير من الاهمية.. السؤال الاول هو: هل العالم يتجه الي حالة من الركود التضخمي، خصوصا اذا وضعنا في الاعتبار انخفاض انفاق المستهلكين وزيادة معدلات البطالة واحتمال دخول امريكا حالة ركود اقتصادي في العام الجديد؟ اما السؤال الثاني فهو: هل الضغوط السعرية الراهنة سوف تفسد السياسة النقدية التي يتجه اليها بنك الاحتياط الامريكي من خلال خفض اسعار الفائدة؟ واقع الامر ان اجابة هذين السؤالين تتوقف علي معرفة اسباب الزيادة في معدل التضخم وما اذا كانت هذه الاسباب سوف تستمر علي الرغم من تباطؤ النمو الاقتصادي. ومعروف ان التضخم ظاهرة نقدية لذلك فالمسئول عنها هو البنوك المركزية. ويري المتشائمون ان الظروف النقدية كانت حرة نسبيا في السنوات الاخيرة حيث انخفضت اسعار الفائدة الحقيقية وزادت سرعة نمو الائتمان خاصة في الاسواق الناشئة. وهناك اخرون يرون ان مهمة البنوك المركزية صارت اصعب مع تحول العولمة من ظاهرة مضادة للتضخم الي ظاهرة منتجة للتضخم.. بجانب ان زيادة طلب العالم النامي علي الموارد المختلفة وما احدثه من زيادة في اسعار المواد الخام قد الغي الاثر المضاد للتضخم الذي تصنعه الصادرات الصينية رخيصة الثمن. وتقول مجلة "الايكونوميست" ان هذه المعدلات تنطوي علي بعض الحقيقة ولكنها لا تقدم تفسيرا كاملا للزيادات الاخيرة في الاسعار. ففي بعض الاسواق الناشئة تؤدي الرخاوة النقدية الي تأجيج التضخم وهذا يحدث في دول الخليج بشكل خاص بسبب زيادة ارصدتها الدولارية. اما في باقي العالم فإن الصورة اقل وضوحا. ولنأخذ الصين علي سبيل المثال حيث تجعل الحكومة محاربة التضخم علي رأس اولوياتها خشية حدوث قلاقل اجتماعية فقد اضطرت هذه الحكومة منذ ايام الي فرض ضوابط سعرية متنوعة. واتباع سياسة نقدية تقشفية للسيطرة علي التضخم.. اضف الي ما تقدم ان تأثير السلع الصينية الرخيصة علي تلطيف معدلات التضخم العالمي لن يستمر لان اجور العمال الصينيين في تزايد حيث ارتفعت هذه الاجور في العام المنتهي في سبتمبر الماضي بنحو 19% وهي اكبر نسبة ارتفاع منذ 5 سنوات. ومع تزايد تأثير الاسواق الناشئة مثل الصين والهند في معدل النمو العالمي فإن العالم حتي مع دخول الاقتصاد الامريكي الي مرحلة الركود سيشهد استمرارا في زيادة معدلات التضخم وخاصة في البلدان المتقدمة. ومعني ذلك ان العالم قد يواجه إما ركودا تضخميا وإما تباطؤا نسبيا في النمو مع استمرار الزيادة في معدل التضخم ولعل أكثر البلدان عرضة للركود التضخمي في العام الجديد هي الولاياتالمتحدة وهذا قد يضطر بنك الاحتياط الأمريكي الي العدول عن سياسة خفض اسعار الفائدة والعودة الي رفعها مرة اخري علي الرغم من بقاء الاقتصاد الامريكي في دائرة الركود او علي الاقل دائرة تباطؤ النمو.