في عام 2007 -2008 ارتفعت أسعار الغذاء ارتفاعا كبيرا دفع بمئات الملايين من البشر إلي مادون خط الفقر. ومع ذلك فقد كان هناك كما يقول الناس جانب مشرق لهذه الأزمة وهو أن ارتفاع الاسعار سيفيد الفلاحين خاصة صغار الملاك في البلدان الفقيرة مثل أثيوبيا وغيرها من بلدان افريقيا جنوب الصحراء، كما ان ارتفاع الاسعار سيجذب مزيدا من الاموال للاستثمار في الزراعة مما يؤدي إلي زيادة انتاج المحاصيل ويعود بالتالي إلي استقرار الأسعار أو انخفاضها.. وان ذلك كله في النهاية سيكون في صالح الفلاحين والمستهلكين في مختلف أنحاء العالم. وتقول مجلة "الايكونوميست" إن هذه الحالة قد تحققت في النصف الثاني من عام 2008 حيث أعلنت اثيوبيا زيادة انتاجها من المحاصيل الغذائية بنسبة 10% عن العام السابق. بل وتحققت علي مستوي العالم في محصول 2008 - 2009 الذي كان اكبر محصول في التاريخ المعروف حيث بلغ حجم الانتاج العالمي من المحاصيل الغذائية 2،3 مليار طن. وفي ظل ارتفاع الانتاج زادت الصادرات بعد ان الغت الدول ما كانت قد فرضته من حظر علي تصدير بعض الحبوب لمنع الاسعار المحلية من الارتفاع واصبح الغذاء متاحا في الاسواق العالمية وبأسعار جيدة. وفي نفس الوقت تقريبا انخفضت اسعار البترول ولم تعد هناك حاجة لاستخدام المحاصيل الغذائية في انتاج الايثانول وهو ما أدي إلي زيادة المعروض من هذه المحاصيل خاصة الأذرة. وفي ظل الركود العالمي تراجع الطلب عما كان عليه وهو ما أدي إلي انخفاض كبير في اسعار الحبوب بشكل عام. ومن الذروة التي بلغها في يوليو 2008 هبط مؤشر الايكونوميست لاسعار الغذاء بنسبة 40% في ديسمبر من نفس العام. وهذا كله يبدو منطقيا ومثيرا للأمل ولكن ما حدث في عام 2009 أمر محير ففيما بين ديسمبر 2008 ومنتصف يونية 2009 عادت اسعار المحاصيل الغذائية إلي الارتفاع وذلك علي الرغم من ان حجم الانتاج العالمي هذا العام يتوقع ان يناهز ال2،2 مليار طن حسب ارقام وتوقعات منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة وهو ثاني محصول في التاريخ من حيث ضخامة الحجم بعد محصول العام الماضي. ومع ذلك زادت أسعار فول الصويا والسكر بنسبة 50% كما ارتفعت ايضا اسعار المحاصيل الزراعية غير الغذائية مثل القطن والمطاط بنسبة 25% فيما بين ديسمبر ومنتصف يونية الماضيين.. والمعني المحير لهذه الظاهرة هو ان الاسعار تزيد برغم وفرة الانتاج. ولوحدث هذا في زمن الازدهار لأصبح الأمر مفهوما ولكنه يحدث في زمن الركود العالمي والركود كما نعرف يؤدي إلي انخفاض الاسعار فما هو تفسير هذا التناقض؟ وهل نحن بصدد عودة أزمة الغذاء مرة أخري؟ الحقيقة كما تقول مجلة "الايكونوميست" إن هناك تفسيرين لما هو حادث من تناقض الأول يعزو هذا التناقض إلي عوامل دورية والثاني يعزوه إلي عوامل طويلة الأجل.. وأبرز العوامل الدورية هو لجوء الدول إلي التخزين فعندما ارتفعت الاسعار في العام الماضي كانت الدول تسحب من المخزون وان هناك حاجة وفرصة الآن لاعادة ملء المخازن باسعار متهاودة نسبيا. في عامي 2006-2007 هبط المخزون العالمي إلي أقل من 450 مليون طن أي نحو 20% من جملة الاستهلاك العالمي أما الآن فقد زاد المخزون إلي 520 مليون طن بنسبة 23% من الاستهلاك العالمي. ومن جانب آخر عادت اسعار البترول إلي الارتفاع وبالتالي عاد انتاج الايثانول ليصبح عملية مربحة. ومعروف ان الايثانول يكون مربحا عندما يبلغ سعر جالون البنزين 3 دولارات وهو ما حدث اخيرا في كاليفورنيا. أضف إلي ذلك ان انخفاض سعر صرف الدولار يجعل استيراد الحبوب من الخارج لانتاج الايثانول مسألة غير مكلفة. وهكذا تجمعت العوامل قصيرة الأجل لتصب في اتجاه زيادة اسعار الغذاء.