رغم ان الاحصاءات القومية الامريكية الاخيرة تبدو كئيبة الا ان حالة الانكماش الاقتصادي ليست محسوسة بدرجة واحدة في مختلف انحاء الولاياتالمتحدةالامريكية، وتقول مجلة "الايكونوميست" انك لن تسمع كلمة الركود تتردد كثيرا في مكتب بريان شفاتيزر حاكم ولاية مونتانا، فالرجل يصر علي ان اقتصاد الولاية في افضل حالاته الآن وان مونتانا تتمتع بأسرع معدلات النمو في فرص العمل علي مستوي الولاياتالمتحدة كلها وأن الولاية تزدهر بفضل الانتعاش في انشطة التعدين والزراعة والنمو المطرد في السياحة، أما بولزين الاستاذ بجامعة مونتانا فإنه يتوقع ان تحقق الولاية معدل نمو اقتصادي يصل الي 1.4% هذا العام وهو خامس عام علي التوالي يزيد فيه معدل نموها علي 4% سنويا، ويقول الرجل ان التشاؤم في مونتانا ليس له مكان ولا وجود حقيقي. ولكنك اذا ذهبت الي ميتشجان فستجد الحالة علي النقيض من ذلك ففي تلك الولاية ستجد ان انهيار صناعة السيارات يتضافر مع ازمة سوق الرهونات العقارية ليجعل ميتشجان في حالة دوار واضطراب فهي تشهد اعلي معدل للبطالة "6.7%" وثالث اعلي نسبة لاحتباس الرهونات واعلي معدل علي مستوي كل الولايات في فقدان فرص العمل خلال العام الماضي وفي السباق علي الفوز بترشيح الجمهوريين له في انتخابات الرئاسة القادمة حصل ميت رومني علي اصوات مينشجان لانه وعد اهلها بحماية ولايتهم من الركود. وهكذا تمثل مونتانا وميتشجان طرفي النقيض فيما تعبر عنه الاحصاءات الاقتصادية الفيدرالية من اوضاع، فهذه الاحصاءات تقول ان امريكا قد دخلت رسميا مرحلة الركود الاقتصادي حيث ان الزيادة في اجمالي الناتج المحلي لم يتجاوز 6% سنويا في الربع الاخير من العام الماضي وان هناك تراجعا في حركة تشييد المساكن وهبوط في اسعارها وتباطؤ في انفاق المستهلكين وفقدان لنحو 17 ألف فرصة عمل خلال يناير وحده وهو اول فقدان للوظائف علي المستوي الامريكي منذ عام ،2003 وفي المقياس الشهري الذي اعلنت ارقامه يوم 5 فبراير تبين ايضا حدوث تراجع في انشطة القطاع الخدمي واصبح السؤال الذي يخيم علي امريكا في عام الانتخابات هو اين سيكون الركود اشد ايلاما والي اي مدي سوف ينتشر؟! وحتي الآن لايزال قطاع الاسكان يستأثر بالجزء الأكبر من البؤس الاقتصادي الذي ينتشر ايضا في مجموعتين مختلفتين من الولايات، المجموعة الاولي هي ولايات الغرب الاوسط الصناعية، والثانية هي تلك الولايات التي انتفخت فيها فقاعة الاسكان بأكثر مما يجب مثل كاليفورنيا ونيفادا واريزونا وفلوريدا وهاتان المجموعتان مهمتان سياسيا وان يكن بدرجات متفاوتة. وتقول مجلة "الايكونوميست" ان الاوضاع أكثر سوءا في ولايات مثل اواهايو وميتشجان وغيرهما من الولايات التي تعد معاقل الصناعات التحويلية والتي تزامن فيها فقدان الوظائف مع أزمة سوق الائتمان العقاري ولكن الولايات التي كان ازدهارها يعتمد علي انتعاش صناعة التشييد وارتفاع اسعار المساكن صارت تهبط الآن هبوطا دراميا ففي كاليفورنيا يترنح اقتصادها الجبار وتتهاوي اسعار المساكن في بعض مدنها بمعدل مكون من رقمين كما قفزت البطالة من 8.4% لتصبح 1.6% في العام الماضي وهو معدل زيادة يساوي ضعف المعدل القومي. وفي لوس انجيليس تراجعت بشدة حركة الواردات عبر الميناء بتأثير الانخفاض في سعر الدولار والانخفاض في انفاق المستهلك وقد نجم عن ذلك اضطراب عظيم في ميزانية الولاية وتوقف مخطط ارنولد شوارزينجر حاكم الولاية في مجال الرعاية الصحية للمواطنين، وتكرر نفس الظواهر في ولايات فلوريدا ونيفادا واريزونا وان كان في الصورة بعض المساحات المضيئة ففي هذه الولايات مثل الحال في بقية امريكا يتضافر الطلب العالمي القوي مع ضعف الدولار في زيادة الصادرات وانعاش السياحة ولكن المؤسف ان المساحات المضيئة لم تستطع تعويض ما تعانيه تلك الولايات من ظلمة وإعتام، ويقول مارك زاندي كبير الاقتصاديين في وكالة موديز ان ولايات الفقاعة الاربع ومعهم ميتشجان قد دخلوا فعلا حالة الركود معا وهذه الولايات الخمس تنتج وحدها 25% من اجمالي الناتج المحلي الامريكي واذا ما تحركنا من الشواطئ ومن ولايات الغرب الاوسط الصناعي الي الداخل سنجد الصورة اقل إعتاما، فالحزام الممتد من تكساس الي الشمال الغربي عبر السهول العظمي وجبال روكي لايزال اقتصاده في حالة جيدة بفضل الصادرات وارتفاع اسعار المواد الخام كما يعم الانتعاش الولايات الزراعية حيث زادت صادراتها 20% في العام الماضي عما كانت عليه في العام الاسبق، وانتعشت ايضا الصناعات الاستخراجية وعمليات التعدين واستخراج النحاس وغيره في ولاية مثل مونتانا وحتي الآن لا يستطيع احد ان يجزم بدوام هذه الخريطة للدكود الاقتصادي الامريكي او يضمن عدم امتداد الركود الي الولايات التي لم تتأثر به حتي الآن.