أعلنت وزارة المالية قبل أيام عزمها اقتراض 15 مليار جنيه من القطاع المصرفي خلال شهرين بطرح اذون اضافية جديدة خلال شهري أغسطس وسبتمبر اضافة إلي ال38 ملياراً التي أعلنت مسبقا عنها ضمن خريطة طروحاتها من أدوات الدين خلال الفترة من أول يوليو وحتي نهاية سبتمبر القادم وجاء ذلك ليمثل مفاجأة للكثيرين حيث أرجعه البعض إلي تعرض الحكومة لأزمة سيولة بعد فشل مزاد بيع بنك القاهرة، وهو الطرح الذي يثير التساؤلات حول كونه مؤشرا علي نقص السيولة مع بدء العام المالي الجديد وامكانية زيادة عجز الموازنة هذا العام بما ينعكس علي زيادة التضخم المتنامي، أم أن الاطروحات الجديدة من الممكن أن تلعب دورا في امتصاص السيولة من السوق وتخفيض التضخم؟ وفيما يلي إجابة عن الأسئلة التي طرحناها علي الخبراء في هذا التحقيق. في البداية تشير ريهام الدسوقي كبير المحللين الاقتصاديين ببنك الاستثمار الاقليمي بيلتون فاينانشيال إلي أن سياسة امتصاص السيولة لتخفيف حدة التضخم هي من صميم عمل البنك المركزي وليس وزارة المالية كما أن الزيادة في أذون الخزانة المطروحة ليس لها تأثير مباشر علي التضخم نظرا إلي أن الاذون والسندات تتداول في السوق الثانوي مرة أخري وهو ما يعني أن هذه السيولة التي تمتصها وزارة المالية من خلال الاذون المطروحة سيعود جزء منها مرة أخري للتداول في السوق وهو ما يقلل من آثارها علي تخفيض التضخم وتؤكد ريهام الدسوقي أن الهدف الرئيسي لوزارة المالية من زيادة الاذون المطروحة هو تغطية العجز في نفقات الدولة وهو ما قد يعود إلي عدم نجاح مزاد بيع بنك القاهرة الذي كان متوقعا أن يوفر السيولة للدولة. وعن امكانية تأثير زيادة مديونيات الدولة علي عجز الموازنة الذي يساهم بدوره في تنامي التضخم تري ريهام الدسوقي أن زيادة استدانة الدولة في الربع الحالي من العام قد تعوضها الزيادة في الايرادات خلال هذا العام أيضا خاصة بعد تطبيق حزمة سياسات 5 مايو وتحسن الأداء الضريبي والجمركي والذي ينعكس ايجابا علي موارد الدولة. التضخم والاستثمار من جانبه يري د.عبدالله شحاتة أستاذ الاقتصاد أن اطروحات أذون الخزانة ليس لها تأثير ايجابي علي التضخم نظرا إلي أنها تمول من أموال مدخرات الافراد أو المؤسسات وهي بالفعل أموال لا تظهر في صورة طلب في السوق علي عكس السيولة المتداولة في أيدي الافراد وهذا يقلل من قدرتها علي معالجة التضخم اضافة إلي أن وزارة المالية قصرت من آجال الأذون الجديدة التي أعلنت مؤخرا أنها تعتزم طرحها علي 3 و6 أشهر فقط، ويشير إلي أن الاموال الناتجة عن هذه الاطروحات تستخدمها الدولة لتمويل العجز بالموازنة وفي حالة الاستمرار في تمويل عجز الموازنة بالاستدانة يصب ذلك في زيادة معدلات التضخم، علاوة علي أن ظروف السوق هي العامل الرئيسي في زيادة التضخم وعلاجه يقوم بدرجة كبيرة علي الرقابة علي السوق أكثر من السياسات النقدية. يأتي ذلك فيما تري د.ضحي عبدالحميد أستاذ الاقتصاد أن اتجاه الدولة إلي التوسع في اطروحاتها من أذون الخزانة قد يكون له تأثيرات سلبية علي السوق فاطروحات اذون الخزانة من خلال نظام "المتعاملون الرئيسيون" تتميز بأن توفير التمويل فيها مضمون إلا أن التوسع فيها يتسبب في توجيه نسبة كبيرة من السيولة للدولة بدلا من اتجاهها إلي الاستثمار وتنشيط السوق خاصة أن البنوك تجد في أذن الخزانة عائدا مضمونا مقارنة بمخاطر الاستثمار مع القطاع الخاص، لافتة إلي أن زيادة الاستثمارات الإنتاجية هي العامل الرئيسي لكبح جماح التضخم في السوق المحلي لأننا نعتمد علي الاستيراد ونستورد "التضخم" من الخارج. كما تلفت د.ضحي إلي أن السيولة التي تجمعها وزارة المالية من أذون الخزانة قد تتجه إلي نفقات تضخمية فحوالي 40% من موارد الموازنة تذهب للمرتبات وهي سيولة لا يقابلها إنتاج بنفس القيمة كما توجه الدولة جزءا كبيرا من مواردها للدعم وهو ليس نشاطا إنتاجيا أيضا علاوة علي أنه في كثير من الاحيان لا يحسن حياة المواطن بما يدفعه إلي زيادة إنتاجه بشكل غير مباشر مشيرة إلي أننا مقبلون علي شهر رمضان وهو يرتفع فيه تضخم الاسعار تلقائيا مع زيادة الاستهلاك. وتري ضحي أن زيادة وزارة المالية لاطروحاتها من أذون الخزانة في بداية العام المالي الجديد قد يكون مؤشرا علي نقص السيولة لدي الدولة فهناك العديد من المشروعات القومية المستهدف تنفيذها هذا العام اضافة لتطورات أسعار السلع العالمية من غذاء وطاقة بما يزيد العبء علي الدولة باستمرار وتلفت إلي أن هناك مصادر جديدة للايرادات قد تغير المعادلة لصالح الدولة كالايرادات المتوقعة من حزمة سياسات 5 مايو أو بزيادة الغرامات في قانون المرور الجديد أو ما يتعلق بعمليات جديدة للخصخصة في القطاع العام. وبشكل عام تري ضحي أن هناك عدم وضوح في مستقبل السياسات المالية للدولة وامكانية سيطرتها علي العجز والتضخم في ضوء ارتفاعات الاسعار العالمية خاصة أنه يظل احتمال تطبيق أية قرارات جديدة تضيف موارد للدولة مطروحا علي الساحة. رقم ضئيل ويري د.رشاد عبده أستاذ التمويل أن الاعلان الأخير عن ال15 مليار جنيه الاضافية من اطروحات لاذون الخزانة لن يغير كثيرا من وضع السيولة في البنوك أو يؤثر علي سياساتها المصرفية بما ينعكس علي الاقتصاد بشكل عام ويفسر ذلك بأن ذلك المبلغ يمثل رقما ضئيلا في حجم السيولة الموجودة في البنوك كما أن توسع الدولة في أذون الخزانة يساهم في تشغيل السيولة المعطلة بالبنوك ويساهم في تغطية نفقات الدولة والاستعانة بديون داخلية بدلا من الديون الخارجية، إلا أنه يري من ناحية أخري أن زيادة الدين الداخلي بشكل عام يمثل خطورة طالما أنه ليس مرتبطا بنشاط إنتاجي، هذا اضافة إلي أن معدلات التضخم الحالية تقف حائلا دون التوسع في الأنشطة الإنتاجية التي تساهم في تخفيض التضخم حيث تعدي التضخم ال20% مما يعني أن أي نشاط استثماري يجب أن يحقق أرباحا تتعدي هذه النسبة وهذا في رأيه أمر صعب للغاية.