رغم مرور نحو عقدين علي بدء تطبيق سياسة الخصخصة وإعادة الهيكلة في مصر، إلا أن المطالع لمضمون الصحافة المصرية، وخاصة مقالات الرأي لكبار الصحفيين بما في ذلك الكتاب المتخصصون في الصفحات الاقتصادية، وأيضاً المتابع لمناقشات مجلس الشعب، وأراء النواب وطلباتهم لمساءلة الحكومة ووزرائها يلاحط أن عملية التوافق المجتمعي حول قرار الخصخصة، وجدواها في المرحلة الانتقالية الحالية في عمر الاقتصاد المصري لم تتحقق بل الأكثر غرابة أن غالبية قادة الرأي العام المصري من كتاب ونواب الشعب يرفضون هذه السياسة مما أدي إلي فشل صياغة متفق عليها لهذا الجانب المهم في حياتنا، وأدي أيضاً إلي بلبلة لدي الرأي العام، وحالة من الشد والجذب تجاه أي عرض جديد لبيع أحد أصول القطاع العام. وللخروج بنتائج محددة وأكثر دقة في تقييم الموقف العام من قضية الخصخصة، كان لابد أن تقوم "الأسبوعي" باستطلاع رأي أهم "مسئولين" عن قيادة الرأي العام في المجتمع، وهم كبار الصحفيين وكتاب الأعمدة خاصة في الصفحات الاقتصادية للجرائد المصرية. والنتيجة لم تكن مفاجأة لدينا.. ولكننا نعرضها علي الحكومة، حتي نوضح أن أي سياسة لا يمكن أن تنجح وتؤتي ثمارها بالسرعة المطلوبة مالم يكن عليها توافق بالأغلبية الضرورية، خاصة بين "صناع" الرأي العام. بعد مرور نحو 18 عاماً علي تطبيق سياسة الخصخصة، نلاحظ أن حصيلتها بلغت 50 مليار جنيه، كما ورد علي لسان محمود محيي الدين وزير الاستثمار، الذي أكد أن الخصخصة قد أسهمت في خفض خسائر الشركات من 32 مليار جنيه إلي 8 مليارات جنيه، وأضاف أنه تم توجيه هذه الحصيلة لإقامة مشروعات البنية الأساسية من مياه وصرف صحي وطرق وكباري. والخصخصة تتضمن طريقتين الأولي بيع أصول مملوكة للدولة للقطاع الخاص، والثانية أن تتوقف الدولة عن تقديم الخدمات التي كانت تضطلع بها في السابق ولم تبتدع مصر هذه السياسة كما يبدو في بعض المقالات لكن الخصخصة منذ عقود أصبحت أهم البنود التي يتبناها البنك والصندوق الدولين كأحد الطرق لعلاج الأورضاع المالية المتدهورة في الدول، خاصة النامية، حيث كانت الملكية العامة في هذه الدول تصل إلي نسبة 10% من الناتج المحلي الإجمالي، مما يشير إلي استمرار العديد من المؤسسات العامة في أيدي الحكومات، وقد استخدمت الخصخصة كسياسة اقتصادية منذ سبعينيات القرن الماضي وقد وصلت مبيعات المؤسسات العامة في أوروبا في عامي ،1996 1997 إلي حوالي 53 مليار دولار وفي آسيا 9 مليارات دولار. وقد زادت معدلات الخصخصة من 12 دولة عام 1988 إلي 80 دولة عام ،95 وشغلت الدول النامية نسبة 12% من جملة مبيعات الخصخصة في العالم. وفي استطلاع "الأسبوعي" لآراء كبار الصحفيين من مختلف الاتجاهات لتقييم تجربة الخصخصة في مصر وهل نجحت أم فشلت، وأسباب الفشل أو النجاح، أجمعوا علي وجود أخطاء فادحة ارتكبت أثناء تطبيق التجربة، إلا أنهم انقسموا بين معارض لها تماماً وبين مؤيد لها بشروط معينة. ونبدأ بالرافضين بشكل مطلق للخصخصة فقد رأي كل من حسين عبد الرازق "الأهالي" وعبد الله السناوي "العربي" وأمينة شفيق "الأهرام" وعبد الحليم قنديل "الدستور" وعبد العال الباقوري "الجمهورية - الأهالي" وإلهامي الميرغني "الأهرام" أن الخصخصة كان من الخطأ تطبيقها في مصر منذ البداية، وفيما ذهب حسين عبد الرازق إلي أنه قد تم البدء بخصخصة المشروعات الناجحة والرابحة مشيراً إلي أن الحكومة أوهمت الشعب أنها مشروعات خاسرة ولابد من بيعها، رغم أن أكبر الدول الرأسمالية في العالم مثل انجلترا وفرنسا مازالت حكوماتها تسيطر علي مؤسسات مهمة مثل البنوك والمستشفيات، ذهب أبو العز الحريري المرشح لرئاسة حزب التجمع إلي أبعد من ذلك معتبراً أن الحكومة بددت ثروات طائلة تقدر ب 1712 مليار جنيه منذ عام 1993 وحتي الآن. موضحاً أن مصر كان من الممكن أن تستفيد منها في حالة استمرار شركات القطاع العام التي تم خصخصتها، والتي كانت تحقق ارباحاً كبيرة، مشيراً إلي أن القطاع العام لم يخسر بل تم "تخسيره" علي حد تعبيره من خلال الإدارات الفاسدة وعدم استحداث الآلات والمعدات.