رغم كل برامج الكمبيوتر المعقدة والاختبارات النفسية بل والبواعث الأخلاقية يمكن للمتعاملين المحتالين الذين يبرمون صفقات دون علم رؤسائهم ان يهزوا مؤسساتهم في أي وقت وفي اي مكان. وكان بنك سوسيتيه جنرال قد كشف قبل ايام تعرضه لخسارة بلغت 7.2 مليار دولار وان المركز الاحتيالي تبلغ قيمته حوالي 50 مليار يورو "73.36 مليار دولار" وقال البنك انه بدأ تصفية مراكز المتعامل في سوق غير مواتية ويتهم البنك احد موظفيه وهو جيروم كيرفييل بالتسبب في هذه الخسارة. وكان كيرفييل قد اشتري 140 الف عقد من مؤشر الاسهم "داكس" في المانيا وتم التفاوض بشأن هذه العقود قبل اسابيع في سوق يوركس وهي فرع سويسري للشركة الالمانية "دويتشي بورص" وان رؤساء البنك الباريسي تلقوا من المانيا بلاغات تنذر بهذه الخسائر الضخمة. وقد اعترف البنك ان الموظف تعامل في نحو 70 مليار دولار من اموال البنك في مضاربات علي اسعار الاسهم المستقبلية. وبعدها قال الملياردير الفرنسي فنسان بولور انه من غير المعقول ان يتسبب شخص واحد في خسائر تصل الي 4.9 مليار يورو مثل هذه انه مبلغ هائل من المال. وتابع انه ربما يشربون الشمبانيا الان في بي .ان.بي باريبا ملمحا الي محالات في الماضي من جانب بي .ان بي للاستحواذ علي سوسيتيه جنرال. وقال فرديدريك هام مدير صناديق الاستثمار في مؤسسة اجيليس جستيون انه لايزال هناك جهل شامل .. وتساءل: كيف يتأتي ألا يحذر الوسطاء سوسيتيه جنرال بل ان حتي اثرياء فرنسا عبروا عن دهشتهم ازاء حجم المبالغ المهدرة. وكان الذهول بسبب خسائر التعاملات الهائلة التي مني بها بنك سوسيتيه جنرال قد فتح الطريق امام تساؤلات بشأن ضوابط العمل في البنوك الكبري بأوروبا فيما سعت فرنسا يوم الجمعة الماضية للحد من الاضرار الناجمة عن اسوا فضيحة تعامل في العالم. وقال مارك راش المستشار لدي شركة اف .تي .اي الاستشارية والذي كان يدير وحدة جرائم الكمبيوتر بوزارة العدل الامريكية في السابق ان كل العوامل التي تصنع متعاملا عظيما يمكن ان تصنع محتالا عظيما ايضا. بل ان راش الذي ساعد في تهدئة اسواق المال الامريكية بعد هجمات 11 سبتمبر عام 2001 يخشي من الفزع الذي قد يتسبب فيه متعامل منفرد بأكبر بنوك وشركات الاوراق المالية في العالم. ويقول هارفي بيت الذي كان يرأس لجنة الاوراق المالية والبورصات الامريكية عامي 2001و2002 ان ما من نظام معصوم من الخطأ فالخوف من امكانية وجود متعاملين محتالين يلازمك طول الوقت. واسباب القلق جلية فالمصرفيون والمنظمون والمستثمرون شعروا بالصدمة للكيفية التي تمكن بها موظف من المستوي المتوسط من ابرام تعاملات في الاسهم غير مأذون له بها ادت الي خسارة بنك سوسيتيه جنرال الفرنسي 7.2 مليار دولار وتسببت في هبوط الاسواق الاوروبية. وقال مستشارون في ادارة المخاطر ومسئولون سابقون انه من المستحيل استئصال كل المتعاملين الذين قد يتسببون في كوارث لكن بوسع البنوك اتخاذ تدابير وقائية. ويقول بيت ان هذه التدابير يجب ان تشمل مجموعة مختلفة من ادوات الرقابة حتي اذا كان شخص قد اجتاز من قبل اي شكل من اشكال المراجعة. وتحتاج الكثير من عمليات الاحتيال اهتماما مستمرا من جانب مرتكبيها حتي يمكنهم الاستمرار في الظهور بأن كل شيء علي مايرام. ولهذا السبب تشترط البنوك التي يوجد لديها افضل الضوابط ان يأخذ العاملون اسبوعا او اسبوعين كاملين لقضاء اجازة تنقطع فيها صلتهم تماما بمكاتبهم وهذه الفترة مثل فرصة للمدققين للتعرف علي ما اذا كانت هناك اي مخالفات طويلة الاجل في غياب مرتكبها. والمتعامل جيروم كيرفيل الذي اوقع سوسيتيه جنرال في المشكلة لم يكن يأخذ عطلات من العمل. وتوجد ايضا تدابير لا تفلح في تحقيق الغرض منها ويتفق العديد من الخبراء ان من بينها الاختبارات النفسية لان المتعامل المحتال يملك في الغالب عبقرية حسابية كما ان الاختبارات قد يكون فيها قدر من التطفل المبالغ فيه علي الموظفين ومحبطة لمعنوياتهم. وتقول لويز بورك مديرة ادارة المخاطر السابقة بشركة ستيت ستريت كورب انه من المستحيل التعرف علي افضل المجرمين لانهم غالبا ما يبرعون في اخفاء ما يفعلون. وعلاوة علي ذلك فان تسعة من بين كل 10 موظفين قد يرتكبون الاحتيال في ظل الظروف الملائمة خلال احدي المراحل في حياتهم المهنية علي حد قول لويز بورك. ومن العوامل التي تعزز احتمالات حدوث الاحتيال الضغوط من اجل النجاح في العمل والمشاكل المالية وممارسة القمار وادمان المخدرات. وقالت لويز بورك ان الشخص الواحد قد يكون عرضة لارتكاب الاحتيال في اجواء مختلفة وفي اوقات مختلفة من حياته.