كان السوقان المصري والأمريكي علي موعد يوم الخميس الماضي ففي الوقت الذي كان فيه مجلس الاحتياط الفيدرالي "المركزي الأمريكي" يتخذ قرارا بخفض سعر الفائدة علي الدولار بواقع ربع نقطة كان السوق المصري يشهد عودة قوية للتخلص من العملة الأمريكية من قبل حائزيه. وفي الوقت الذي كانت فيه الأنظار تتجه الي اجتماع لجنة السياسة النقدية لتحديد اتجاهات سعر الفائدة علي الجنيه كان عدد من حائزي الدولار يتمنون حدوث خفض الفائدة علي الجنيه حتي يظل سعر الدولار مرتفعا في حين تمني آخرون رفع الفائدة حتي تصبح العملة المحلية جاذبة لاستثماراتهم الدولارية. وكان مجلس الاحتياط الفيدرالي قد قرر في اجتماعه الأخير خفض سعر الفائدة بمقدار ربع نقطة ليصل الي 5.4% لحماية الاقتصاد الأمريكي من اثار تباطؤ في قطاع الاسكان بسبب أزمة القروض العقارية. ورغم ان القرار كان متوقعا علي نطاق واسع في الأسواق العالمية إلا أن حائزي الدولار في مصر صدموا بالقرار الأمريكي كما صدموا قبل أيام بتصريحات للدكتور يوسف بطرس غالي وزير المالية توقع فيها تراجع سعر الدولار الي 530 قرشا قبل نهاية العام الجاري. وعلي الرغم من أن وزير المالية نفي هذه التصريحات بشكل قاطع الا ان حائزي الدولار واصلوا التخلص مما في حوزتهم من عملة أمريكية وساعد في دفع هذا الاتجاه القرار الأمريكي بخفض الفائدة علي الدولار والصادر مساء الأربعاء الماضي. وكان حائزو الورقة الخضراء قد صدموا قبل شهر من الآن بقرار لمجلس الاحتياط الفيدرالي يقضي باجراء اكبر خفض لاسعار الفائدة الامريكية بلغ نصف نقطة مئوية وجاء هذا القرار بسبب الاضطرابات الاخيرة التي شهدتها الاسواق الامريكية. وباجراء الخفض الأخير في أسعار الفائدة الأمريكية فإن حائزي الدولار في مصر حائرون ما بين عدة اتجاهات كلها صعب . الاتجاه الأول هو تحويل أموالهم الي الجنيه المصري الذي بات معرضا أيضا لخطر التضخم المتزايد وكانت بيانات رسمية صدرت الخميس الماضي وتم نشرها علي بوابة معلومات مصر قد أظهرت ان التضخم السنوي في اسعار الجملة ارتفع الي 15.10% نهاية شهر سبتمبر الماضي مقابل 2.8% نهاية اغسطس و7.6% نهاية سبتمبر 2006. وسجلت أسعار الجملة زيادة شهرية بلغت 41.2% في سبتمبر الماضي مقابل 37.10% في نهاية اغسطس الماضي و60.0% فقط نهاية سبتمبر 2006. وفي رأي العديد من المحللين فان اسعار الفائدة علي الجنيه باتت سلبية إذ ان معدل التضخم يفوق العائد علي العملة المحلية وهو ما يعني ان اموال المودعين بهذه العملة تتآكل بسبب تنامي مخاطر التضخم. الاتجاه الثاني يتمثل في قيام حائزي الدولار بتحويل مدخراتهم الي عملات رئيسية أخري في مقدمتها اليورو الاوروبي والجنيه الاسترليني ويتحفظ كثير من حائزي الدولار علي هذا الاتجاه لعدة أسباب علي رأسها التذبذب الملحوظ في أسعار العملة الاوروبية الموحدة وعدم تفضيل دول الاتحاد الأوروبي لسياسة اليورو القوي مقابل دولار ضعيف لأن هذا يضر بصادراتها الخارجية، كما ان المستثمر المصري قد يخسر 10 قروش في اليورو في يوم واحد اما في حالة الاستثمار في الدولار فان الخسارة تكون بسيطة ومتدرجة إذ ان العملة الأمريكية لا يمكن ان تفقد هذا الرقم من قيمتها في يوم واحد. الاتجاه الثالث هو الابقاء علي العملة الامريكية التي في حوزة المدخرين وهذا الاتجاه يحمل مخاطر عدة علي رأسها وجود توقعات قوية باستمرار تراجع العملة الامريكية امام العملات الرئيسية خلال الفترة القادمة خاصة اذا ما قررت السلطات النقدية الامريكية اجراء خفض جديد في اسعار الفائدة علي الدولار. كما ان سعر الدولار مرشح للتراجع في السوق المصرية خاصة مع وجود وفرة ملحوظة من النقد الأجنبي وتوقعات قوية بجذب مصر لاستثمارات خارجية في العام المالي 2007/2008 تزيد قيمتها علي 15 مليار دولار مقابل 1.11 مليار في العام المالي السابق 2006/2007. ولا ننسي ان احتياطيات مصر الدولية وصلت الي معدلات قياسية لم تصلها من قبل حيث بلغ حجم الاحتياطي 30 مليار دولار. خسارة مؤكدة وفي كل الأحوال فان حائز الدولار سيتعرض لخسارة مؤكدة إذا ما كان ينظر للأمر من منطلق قصير الأجل، إذ إن أزمة القروض العقارية الأمريكية لن تعطي للسلطات النقدية هناك الفرصة في معاودة رفع اسعار الفائدة علي الدولار كما ان وجود توقعات بتحقيق العديد من الشركات الأمريكية الكبري لخسائر خلال الربع الأخير من العام الجاري بسبب ازمة التمويل العقاري لن يكون في صالح العملة الأمريكية أيضا. أما إذا كان حائز الدولار ينظر للأمر من منطلق طويل الأجل فإن الأمر يختلف خاصة أن توقعات معاودة العملة الأمريكية لارتفاعاتها أمام العملات الرئيسية لاتزال مطروحة كما ان مجلس الاحتياط الفيدرالي الذي خفض الفائدة بشكل مفاجئ قد يرفعها أيضا بشكل مفاجئ.