رسالة البحرين يكتبها: سامي هشم عندما تتمكن دولة كبيرة الحجم، غنية الموارد من احتلال مكانة متميزة بين سائر الدول، استنادا إلي ما تتمتع به من امكانيات اقتصادية وكثافة سكانية، فإن ذلك يعد أمرا طبيعيا ولكن عندما تتمكن دولة صغيرة الحجم قليلة السكان ومحدودة الامكانيات، من أن تحتل مكانة مرموقة علي الساحتين الاقليمية والدولية فإن الأمر يستحق وقفة متأنية للتأمل والبحث في أسباب ما يمكن وصفه بأنه ظاهرة قلما يشهدها المرء، ولا يملك ازاءها غير التساؤل كيف؟..ومن يقف وراء تحقيق ذلك الانجاز؟!.. أظن أن هذه مقدمة ضرورية لموضوعنا حيث إننا نتحدث عن البحرين كمثال من الأمثلة التي يجب دراستها خصوصا بعد أن استطاعت، رغم مساحتها الصغيرة جغرافيا وعدد سكان المحدود نسبيا، أن تحتل مكانة متميزة علي المستويين العربي والدولي وما من شك في أن كل بحث أو دراسة في مثل هذه الأمثلة. الدكتور محمد عبدالغفار وزير الاعلام يقول إن القيادة الواعدة والمدركة لحقائق العصر ومتطلبات التطور والمالكة لامكانيات التعامل مع الأحداث واستيعابها هي التي قادت البحرين إلي بلوغ هذه المكانة وهو ما يحدث بالفعل الآن التي لعبت قيادتها دورا كبيرا في المحافظة علي سلامة البلاد وسيادتها الاقليمية والدولية وتطوير علاقاتها مع مختلف الدول الأخري الكبيرة والصغيرة علي حد سواء كما تمكنت من أن تحافظ علي مصالح شعبها وثرواته..! والفضل يعود في الواقع إلي القيادة الواعية والحكيمة التي تحكم البحرين.. والمؤكد أن للقيادة متطلبات وشروطا فهي ليست موقفا أو قرارا يتخذ بشكل مفاجيء وعفوي تجاه مسألة معينة بل هي رؤية شاملة للمبادرة والفعل عبر تخطي الصعاب والتحديات وقدرة علي إدارة دفة شئون الحكم باقتدار وفي نفس الوقت تعبر تعبيرا حقيقيا عن آمال شعوبها في سبيل تحقيق أهدافها المنشودة.. وهناك عوامل أخري فاعلة وصفات مؤثرة في رسم شخصية القائد بعضها وراثي وبعضها الآخر اجتماعي مكتسب فأساليب النشأة ونمط التعليم والثقافة وصقل الخبرة وتعدد التجارب تمثل الملامح الاساسية في تشكيل مؤهلات القائد وقدرته علي صنع أحداث التاريخ. ويستطرد وزير الإعلام قائلا إن الملك حمد بن عيسي ملك البحرين يملك مقومات القيادة بمواصفاتها الحقيقية ومتطلباتها الذاتية مما جعلته يقدم النموذج والقدوة لقدرته علي اكتساب ثقة الشعب وولائه وتوظيفها لخدمة قضاياه ومصالحه فهو رجل دولة بكل معني الكلمة وقادر علي التعامل مع مكتسبات الماضي ومتطلبات الحاضر والمستقبل. لقد برزت ملامح القيادة للملك الشاب منذ بداياته المبكرة فقد كان معروفا عنه التفاعل النشط مع هموم وطنه وقضايا شعبه ولم يكن بمعزل عن الأحداث والتحولات التي يمر بها وطنه والمنطقة ونجح في تحقيق الانجازات وتحدي الصعاب في جميع المهام التي تولي مسئولياتها. الدور الفعال للشيخ خليفة بن سلمان وفي لقائي مع الشيخ خليفة بن سلمان رئيس الوزراء وكان ذلك في مجلسه الاسبوعي وقبل انعقاد جلسات مجلس الوزراء وكأنه يريد أن يري بنفسه نبض الشارع البحريني وعلي الرغم من التقدم الكبير الذي حدث لوسائل الإعلام وتأثيره علي النشاط السياسي إلا أن رئيس الوزراء الشيخ خليفة يحرص من خلال مجلسه الاسبوعي أن يستمع لكل الآراء بحرية كاملة فهو يتحدث مع رجل الدين باهتمم كبير مثلما يتحدث مع النواب باهتمام أيضا.. وحينما قدمني اليه وزير الاعلام رد بابتسامة قائلا: إننا أعرفه منذ طويلة.. فو صديق للبحرين وراح يسألني عن أدق تفاصيل الحياة في مصر قائلا إن مصر في قلوبنا وعقولنا ان انتهاج النمط السياسي الحكيم ليس بالأمر السهل أو الميسور، وإنما يتطلب قيادة تنفيذية واعية تدرك بوضوح متطلبات كل مرحلة من مراحل العمل الوطني بدءا من مرحلة الحصول علي الاستقلال ومرورا بمرحلة البناء الداخلي استعدادا لمرحلة الانطلاق والحفاظ علي المكاسب وتطويرها لصالح الشعب وأجياله القادمة. وقد بدأ العمل الوطني في البحرين بعد أن أنهت علاقاتها التعاهدية مع بريطانيا وحتي الآن، وعلي امتداد أكثر من ربع قرن من الزمان والبحرين تصعد درجات سلم الرقي والتقدم ولم يكن - كما قلنا - من السهل تحقيق ذلك إلا في اطار من الرؤية الصائبة لرئيس الوزراء الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة الذي اختاره شقيقه الراحل الشيخ عيسي بن سلمان لتولي مهام السلطة التنفيذية ومنذ ذلك اليوم تشهد البحرين زخما غير مسبوق في تقاليد العمل الوطني داخليا وخارجيا وتلحق بالتالي بركب الحضارة والتقدم. لقد تولي الشيخ خليفة رئاسة الوزارة في الخامس عشر من اغسطس عام 1971 حيث وضع هدفين رئيسين أمامه وعمل علي تحقيقهما، الأول ارساء قواعد راسخة للاقتصاد الوطني لا تهتز بفعل المتغيرات التي يشهدها العالم بين الحين والآخر، والهدف الثاني كان تطوير وتنمية هذا الاقتصاد بما يعود بالنفع علي المواطن البحريني ويرفع من مستوي معيشته، ولما للرجل من الحكمة وبعد النظر فقد أدرك أن أيا من الهدفين لا يمكن تحقيقه من خلال الاعتماد علي مصدر واحد للدخل حتي لو كان هذا المصدر هو النفط، ولذلك ورغم الطفرة التي شهدتها اسعار النفط عام 1973 فكان تنويع مصادر الدخل هو شغله الشاغل وعمد إلي تطوير جميع المصادر المتاحة إيمانا منه بأن الاقتصاد القوي عامل مهم من عوامل استقرار الدولة وتقدمها، وبأن القوة الاقتصادية لا تقل أهمية في توفير الأمن للشعوب عن القوة العسكرية. جاءت مرحلة منتصف الثمانينيات لتؤكد صدق هذه الرؤية الحكيمة ولعلنا لا نبالغ إذا قلنا ان قناعة الشيخ خليفة المبكرة بضرورة تنويع مصادر الدخل انقذت البحرين من هزات خطيرة، كان من الممكن أن تعصف باقتصادها. وجدير بالذكر ان البحرين صارت الآن مركزا ماليا عالميا وعلي أرضها أكثر من 20 بنكا تجاريا و125 وحدة مصرفية ومكتب تمثيل ويري الشيخ خليفة أن اختيار هذا العدد الكبير من البنوك والمصارف العالمية لدولة البحرين لتكون مقرا لها أو لفروع تابعة لها، لم يكن وليد الصدفة، وإنما جاء نتيجة لدراسات دقيقة أكدت المكانة التي تتمتع بها البحرين في ظل ظروف تنافسية شديدة تشهدها المنطقة. وهكذا يستطيع الرجال أن يصنعوا تاريخ بلادهم.