لو كنتَ واحدا من ال7 ملايين متعامل مع البنوك المصرية فلابد أنك شعرتَ بالمعاناة الشديدة في الحصول علي الخدمة بسبب الازدحام الذي أصبحت عليه هذه البنوك طوال أيام العمل. واستغرب بشدة من هذه الظاهرة خاصة أن نسبة عملاء البنوك ضئيلة جدا بالمقارنة مع عدد السكان وهي اقل من 10%. ومقارنة أيضاً بالمعدلات العالمية فهي بعيدة عنها؛ مما يعني أن الخدمات البنكية لم تدخل بعد في ثقافة المواطن المصري، إضافة إلي وجود نحو مليون متعامل تقتصر علاقتهم بالبنك علي مجرد صرف مرتباتهم من خلال كروت ATM. والمفاجأة التي لم أكن اتخيلها أن جميع فروع البنوك يشتكي قياداتها الادارية من نقص الموظفين، خاصة أن الذين يحالون للمعاش لا يتم تعويضهم. وقد تختلف الخدمة من بنك عام إلي اخر مشترك أو خاص بحيث نجدها أفضل قليلاً في هذا الفرع أو في ذاك لكن الجميع يضيعون وقت العميل، والانتظار سمة مشتركة بينهم، وقد يضيع الواحد نصف يوم من أجل خدمة بسيطة كصرف شيك أو إنشاء وديعة أو فكها. وأحيانا يكون الطابور طويلاً ويتحول بهو البنك إلي فوضي، خاصة في مواعيد صرف المعاشات. وتشعر أن بعض العملاء من كبار السن سيلفظون أنفاسهم قبل أن يفوزوا بجنيهات المعاش. ورغم أن عدد الفروع البنكية يبلغ 2967 وحدة حالياً موزعة علي جميع محافظات الجمهورية، ومنها 1036 فرعا في القري، وتستحوذ القاهرة والاسكندرية علي نحو 60% من تلك الفروع البنكية فإن المشكلة علي ما يبدو ليست في كثرة الفروع، أو في زيادتها، ولكن في تحديثها وتطوير الخدمة ورفع كفاءة الموظفين، ويمكن التوسع في بطاقات ATM مع تعليم العملاء كيفية استخدامها، لأن العديد من العملاء ممن يحملونها، لا يستعملونها أويستعينون بالموظفين من فرط تعدد الأخطاء عند الاستخدام. وفي العديد من دول العالم يضطلع البريد بدور مهم في خدمات صرف المرتبات والادخار، وهذا يجعل القطاع المصرفي يتفرغ للقيام بدور حيوي، وفي صلب أهدافه، وهو عملية الاقتراض والائتمان. ونحن مازلنا نعاني في مصر مشكلات في الاقراض، وتعثر المستثمرين؛ مما يعكس ان المنظومة بها خلل.. وإلا من غير المعقول تفجر القضايا الشهيرة في كل عقد، أو كل عدة سنوات مثل قضايا المتعثرين ونواب القروض. فهناك تهاون وتساهل بل تجاوزات في فترة مع بعض العملاء في حصولهم علي اموال ضخمة من البنوك دون ضمانات كافية، بينما يوجد تشدد وتعنت في فترات أخري وربما تأتي كرد فعل علي التساهل الأول والأخطاء الفادحة المرتكبة التي كلفت الدولة خسائر الاستثمارات المعطلة، وفقدان ودائع وأموال عملاء البنوك. ومن الضروري أن تتفرغ الوحدات المصرفية إلي قيادة ومعاضدة الأنشطة الاستثمارية، فانعدام المرونة الحالي والأيادي المرتعشة في إدارات البنوك يعطل القرارات، و"يطفش" المستثمرين، رغم أن زيادة الاستثمارات وتيسير النشاط علي رأس أولوياتنا الاقتصادية لزيادة فرص العمل أمام الشباب. والاتجاه الحالي نحو تركز العمل المصرفي سواء من خلال الاندماجات أو الخصخصة بحيث تختفي الكيانات الصغيرة هو أمر محمود وقد وصل عدد البنوك حاليا إلي 41 بنكا، بعد أن كان 61 في ديسمبر 2003، و57 بنكا في ديسمبر 2005، والمأمول أن يصبح 25 فقط بنهاية عام 2008. وهذا التركز سوف يقوي ملاءة البنوك وقدرتها علي تقديم خدمات أفضل وتطوير منظومتها، وتحسين موازناتها، لكن يجب أن يمضي هذا التركز دون أن يكون ذلك علي حساب خدمة العملاء اليومية. ويكفي المواطنين ما يعانونه من ازدحام واختناق في جميع المصالح الحكومية والمرور والمستشفيات. وبقدر التحسن الذي سوف يطرأ علي تلك الخدمات والتسهيل علي المواطنين بقدر الثقة التي سوف تزيد بينهم وبين البنوك. وإذا كانت عملية وضع الادخار مثلاً سوف تستغرق كل ذلك الوقت فإن ابقاء المدخرات تحت البلاطة أيسر علي الناس. وهذا الفكر وتلك العقلية يخسر من جرائها الاقتصاد الوطني الكثير؛ لأن نمو المدخرات احد مؤشرات قياس تقدم الشعوب. لابد أن يعاد النظر في البنوك وخدماتها وتيسيرها علي المواطنين، ولابد من تحسين صورة البنك لدي العميل لأنه جزء من علاقة أشمل لابد أن تنمو علي قواعد سليمة. أقول ذلك لأن تلك العلاقة ليست علي ما يرام، والناس مازالوا يثقون في الأفراد لتوظيف أموالهم وتنمية مدخراتهم، ويقعون فريسة لنصابين. فلماذا لا تتغير هذه الثقافة وتتحسن هذه العلاقة؟ ان المسئولية ملقاة علي البنوك بشكل كبير، ولابد أن تقوم بحملات توعية بالتعاون مع جميع أجهزة الدولة للوصول إلي المواطن وكسب ثقته.