يبدأ اليوم الأربعاء مؤتمر أو قمة منتدي دافوس الاقتصادي بمشاركة 25 رئيس دولة، و150 وزيرا إلي جانب عدد كبير من رؤساء الشركات العالمية الكبري متعددة الجنسيات، ويحضره من مصر رئيس الوزراء ووزراء المجموعة الاقتصادية وعدد من المستثمرين المصريين. ومؤتمر دافوس هو أقدم منتدي للرأسمالية العالمية أسسه ومازال يرأسه أحد كبار مفكري ومخططي الرأسمالية المعاصرة وهو كلاوس شواب "klaus shwab" ويحضره كل عام عدد من كبار الشخصيات السياسية والاقتصادية في العالم. ودأب المؤتمر في السنوات الأخيرة علي مناقشة القضايا والمشكلات المتعلقة بالاقتصاد العالمي من وجهة نظر السياسات الليبرالية المرتبطة بالعولمة الاقتصادية والأسواق المفتوحة والمنافسة الحرة والخصخصة وقواعد الاقراض والتجارة الدولية، كما ناقش عددا من القضايا السياسية والاجتماعية التي ارتبطت بالتطورات العالمية والإقليمية التي جرت في العقد الماضي خاصة انفراد الولاياتالمتحدة بالسقف العالمي من الناحية الاقتصادية والعسكرية وسياسات العنف والتوتر والحروب خاصة في منطقة الشرق الأوسط. وقد ناقش المؤتمر في الأعوام الماضية قضايا تتعلق بتصحيح مسار الرأسمالية الجامحة ودور الشركات متعددة الجنسيات وبناء الثقة المفتقدة في قوانين العولمة خاصة بعد ان بات واضحا ان قطاعا واسعا من الشعوب قد بدأت تعقد الثقة بآليات العولمة، كذلك ارتفاع اسعار البترول والطاقة وما يمكن ان يترتب عليه من تدني الاستثمارات وتراجع نسب النمو وزيادة البطالة في البلدان الرأسمالية الأساسية، كما سيناقش المنتدي هذا العام الموبقات الاجتماعية للسياسات الرأسمالية المطبقة وأثرها علي الطبقات الوسطي والفقيرة. وبينما يلتقي الكبار المتحكمون في الاقتصاد العالمي في سويسرا ويتداولون مسيرة الوضع الاقتصادي والسياسي العالمي ويناقشون الاحتمالات المطروحة مع الحرب المشتعلة في الشرق الأوسط أرض البترول والطاقة وحيث الأزمة تحتدم في العراق وإيران وأفغانستان وفلسطين والسودان والصومال ولبنان. كان المجتمعون علي الضفة الأخري من الشهر من أصحاب ورواد مؤتمر بورتو أليجري يشكلون ورش العمل التي تضم مفكرين وشخصيات سياسية واقتصادية عالمية، لتناقش مخاطر وموبقات العولمة بأشكالها المطبقة، ودور الشركات المتعددة الجنسيات والبنك الدولي وصندوق التمنية ومنظمة التجارة العالمية في إفقار واستنزاف دول وشعوب الجنوب أو العالم الثالث أو دول عدم الانحياز أو أيا كانت التسمية. كذلك يناقش المجتمعون علي الضفة الأخري من النهر انعدام الديمقراطية في العلاقات الدولية وسياسة الهيمنة والسيطرة والحرب التي تقودها الولاياتالمتحدة، والبحث عن العدالة الاجتماعية في عالم تسوده قوانين الرأسمالية المتوحشة حيث الأسواق مفتوحة بلا حدود والمنافسة الشرسة تجري بلا قيود وبرامج الخصخصة تضع مقدرات الشعوب في أيدي أفراد قلائل، وحيث أصبح الربح والكسب ورأس المال أغلي وأهم من الإنسان نفسه بعد ان سادت مفاهيم القوة فوق الحق ولا عزاء للضعفاء والفقراء. وبين المنتدي الرأسمالي الدولي في دافوس بسويسرا WEF، والمنتدي الاجتماعي الدولي في بورتو أليجري بالبرازيل WSF، انقسم العالم إلي مؤتمرين أحدهما يمثل الحكام ذوي النفوذ الاقتصادي والسياسي العالمي من رعاة ودعاة وحماة العولمة الرأسمالية، والثاني يمثل الجماهير الواسعة المطحونة في القارات الخمس الذين يعانون من قسوة الرأسمالية وقوامها وأخلاقياتها ويبحث عن العدالة الاجتماعية المفتقدة. ولا شك ان مؤتمر بورتو أليجري يسعي إلي تشكيل عولمة جماهيرية وديمقراطية بديلة تقدم مشروعا انسانيا تتوافر فيه الديمقراطية والعدالة الاجتماعية المفتقدة في العلاقات الدولية، ومحاولة إجراء توازن بين شمال غني مصاب بأمراض التخمة والسيادة والهيمنة وجنوب فقير مستنزف يعاني من الأنيميا وفقر الدم. ويبدو واضحا لكل من له عين تري وترصد وعقل يستوعب انه مع ازدياد توحش الرأسمالية الجامحة وتطبيقات العولمة الرسمية في أشكالها وآلياتها الرئيسية المتمثلة في البنك الدولي وصندوق التنمية ومنظمة التجارة العالمية والشركات متعددة الجنسيات، تنمو في نفس الوقت عولمة أخري مضادة يتصلب عودها وتكسب كل يوم خبرة وارضا جديدة. ورغم ان العولمة الجماهيرية الصاعدة مازالت في مرحلة الانتشار والتأسيس إلا ان هناك ظواهر ومؤشرات كثيرة تؤكد ان العولمة الجماهيرية بدأت تأخذ منحني جديدا ومرحلة توضع فيها الخطط والبرامج البديلة، ولا شك ان صعود نظم اشتراكية وديمقراطية في أمريكا اللاتينية وتشكيل ما يمكن تسميته بالمعسكر الاشتراكي في الجنوب الأمريكي التي تعتبر الفناء الداخلي للولايات المتحدة، هو إحدي النتائج الإيجابية التي تمت وتطورت في مواجهة الرأسمالية الجامحة. كذلك هناك الخطط والبرامج البديلة المستمدة من تطبيقات قائمة في دول مثل الصين والبرازيل والأرجنتين وفنزويلا وتشيللي وبوليفيا والهند وجنوب إفريقيا وفيتنام وعدد آخر من الدول التي عانت برامج الخصجصة وتوصيات البنك الدولي، وتسعي النظم الاشتراكية والديمقراطية القائمة في هذه الدول إلي إعادة تأكيد دور الدولة في الإشراف علي بعض المؤسسات الحيوية وتحويلها إلي ملكية عامة، كذلك تضييق الهوة الواسعة بين الشرائح العليا وبين الغالبية الغالبة من الطبقات الفقيرة والشعبية وذلك بزيادة ضريبة الدخول، ورصد ميزانيات أكبر للخدمات التعليمية والصحية. وتشمل البرامج البديلة كذلك اقتراحات مثل إلغاء ديون دول العالم الثالث والمطالبة بتدمير كل أسلحة الدمار الشامل وإشاعة الديمقراطية في العلاقات الدولية وإلغاء حق الفيتو في مجلس الأمن ومحاصرة نزعات الهيمنة والسيطرة التي تحاول ان تفرضها الولاياتالمتحدة. وبين مؤتمر دافوس السويسري حيث يجتمع السادة المتحكمون في الاقتصاد الرأسمالي العالمي، ومؤتمر بورتو أليجري حيث الممثلون الحقيقيون للشعوب، ينقسم العالم إلي عالمين وعولمتين ومؤتمرين.