مع العام الجديد كان لابد لإدارة بوش من تغيير استراتيجيتها العسكرية في العراق والتي لم تجن معها غير الهزائم المتوالية، الغريب أن بوش لا يجد امامه الان الا زيادة عدد قواته البرية والبحرية علي امل أن ذلك يمكن ان يشكل رسالة تحذير لإيران التي يتردد بأن نفوذها في العراق قد بلغ درجة خطيرة يتعين العمل معها علي وقفة من قبل أمريكا. رسالة لإيران..؟ الرسالة الموجهة لإيران مقروءة مسبقا، ولكن تظل التصريحات شيئا والحادث علي أرض الواقع بشيئا آخر، فأمريكا ماتزال تراهن علي "نوري المالكي" حليفها رغم انه لا يملك من أمره شيئا، فالرجل ضعيف وفي عهده ازدادت العمليات الإجرامية والقتل علي الهوية، وبالتالي فان زيادة القوات الامريكية لن تجلب الامن للعراق ولكنها ستكون ضمانة أمان لعملاء العراق امثال المالكي وعبدالعزيز الحكيم والبرزاني غير أنه سيعمق المأزق الأمريكي أكثر وأكثر.. ورغم خروج "روبرت جيتس" وزير الدفاع الامريكي الجديد ليؤكد ان تعزيز الوجود الامريكي في العراق يعد رسالة علي ان بقاء امريكا في المنطقة سيكون طويل الاجل وان علي الجميع أن يذكروا ذلك سواء أكان هؤلاء أصدقاء أمريكا أم من يعتبرون انفسهم خصومها. النغمة الواحدة لقد عزف "جيتس" علي نفس النغمة التي يتحدث بها بوش وكان غريبا منه ذلك لاسيما انه كان أحد أعضاء لجنة بيكر - هاملتون كما انه كان من مؤيدي فتح حوار مع سوريا وإيران ولم يلوح في تقرير اللجنة المذكورة الذي أعلن في السادس من ديسمبر الحالي بوجود القوة الامريكية وتعزيزها في المنطقة ولكنه اليوم نسج علي منوال بوش وغيّر النغمة وتحدث بلغة أخري هي أشبه ما تكون لغة ابتزاز ضد إيران تحديدا ودول المنطقة عامة، لاشك أن "جيتس" بزيارته لبغداد وتصريحاته مؤخرا قد اعطي الانطباع بان الاستراتيجية الجديدة التي تنوي أمريكا تبنيها اليوم تختلف كلية عما ورد في تقرير "بيكر - هاملتون"، ويبدو أن منصب وزير الدفاع الذي تولاه في 18 ديسمبر الحالي قد حدا به إلي أن يجري مقاربة تنسجم كلية مع بوش وشطحاته وتطلعاته الي تحقيق نصر قريب في العراق بأية وسيلة ممكنة. بوش وجولة بلير بوش لايزال الي الان يتحدث عن ان النصر قريب كما أنه يغيب نفسه عن الرؤية ولا يعترف بالتالي بتدهور الوضع الذي آل إليه العراق وهو مافتئ يتحدث عن إمكانية زيادة القوة ولا غرابة فلقد ثبت اليوم ان بوش مادام علي رأس السلطة فلا يمكن لأحد أن ينتظر أو يتوقع استراتيجية جديدة لأمريكا في العراق تختلف عما تبناه منذ أن انتهج الحروب الاستباقية. لقد طفق بوش يهيئ الأرضية لما سماه تجاوزا باستراتيجية جديدة، فحرص علي تشكيل جبهة تحالف في العراق ركيزتها الشيعة في الأساس ممثلة بعبدالعزيز الحكيم واصطفاه في محاولة لحثه علي ضرب التيار الصدري والقضاء علي جيش المهدي.. هذا من ناحية، ومن ناحية اخري أوفد بوش توني بلير - كلبه الأمين - في جولة بالمنطقة هي أشبه ما تكون محاولة لتشكيل تحالف معتدل من دول المنطقة يضمن معه دعم امريكا في أية خطوة مستقبلية قد تتخذها ضد إيران وهي الجولة التي بدأها بلير بتركيا ثم مصر والعراق واسرائيل والاراضي الفلسطينية والامارات. هل انتصرت أمريكا؟ وعليه فلا يتوقع أن تسفر الأيام القادمة عن استراتيجية جديدة تنوي امريكا تبنيها بالفعل.. بل علي العكس فان كلام جيتس مؤخرا يشي بأن تقرير بيكر - هاملتون سيكون مآله الاهمال التام وربما سلة المهملات، وسيتضح مع العام الجديد أن بوش لن يكون قادرا علي ان يغير نفسه 180 درجة لاسيما انه اعتاد ان يتهرب من مواجهة الواقع ولا أدل علي ذلك من أنه حتي الآن ورغم ما يحدث علي أرض الرافدين من مآس مازال يتهرب من مواجهة الواقع ويتحدث عن أن ما يجري الآن ليس إلا انتصارا لامريكا وإن تأخر قليلا!! ارتباط وتخبط أمريكا تصريحات جيتس مؤخرا تعتبر تمهيدا مسبقا لما سيعلنه بوش صراحة عن تبنيه لاستراتيجية جديدة في العراق، فلقد اظهرت بجلاء كيف ان جيتس حاول الالتصاق بنفس الخط الذي تبناه بوش، فما قاله كان رسالة تحذيرية لإيران، أما الباعث عليها فهو التخوف من التأثير الاقليمي لدولة أحمدي نجاد علي المنطقة وكأنه بما قاله يبعث برسالة تهديد تحتج وبشدة علي تنامي قوة ايران التي غدت من وجهة النظر الامريكية اليوم هي الخطر الداهم علي المنطقة كلها ولاشك أن امريكا اليوم تعاني تخبطا وارتباكا فوجودها في العراق لم يضف جديدا بل علي العكس أوقعها في مأزق حاد لا تستطيع الخروج منه دون إراقة ماء الوجه، خاصة انها لم تنشر الديمقراطية التي بشرت بها، فكل ما فعلته أنها دمرت دولة وأشاعت فيها الفوضي والانفلات الأمني.. وها هي اليوم تضع دول الخليج في خانة اليكّ عندما تراهن عليهم لتشكيل جبهة تحالف معتدل يعضدها في أي توجه تتخذه ضد إيران حتي لو كان عسكريا..!