بإقرار الحكومة العراقية مشروع الاتفاق الأمني مع الولاياتالمتحدة أصبحت الآفاق مفتوحة أمام وجود جدول زمني محدد لإنهاء الاحتلال الأمريكي للعراق وسحب قوات التحالف في موعد أقصاه نهاية عام 2011. فبعد مفاوضات مضنية مع الولاياتالمتحدة ومعارك سياسية وخلافات بين القوي والأحزاب العراقية أمكن التوصل إلي صيغة الاتفاق أخيرا والذي أقره مجلس الوزراء العراقي بأغلبية الأصوات 27 من 37 وزيرا وتبقي المرحلة الحاسمة يوم 24 نوفمبر االحالي عندما تعرض الاتفاقية علي مجلس النواب العراقي لإقرارها. وتشير التوقعات وتصويت الكتل السياسية في الحكومة إلي أن إقرار البرلمان للاتفاقية سيصبح مؤكدا حتي وإن تم ذلك بأغلبية بسيطة إذ لاتزال هناك معارضة كبيرة وقوية خاصة بمد فترة بقاء القوات الأمريكية في العراق حتي نهاية 2011 فيما يطالب هؤلاء بانسحاب أسرع وكذلك تقليص صلاحيات هذه القوات إلي أقل درجة ممكنة. ورحبت الإدارة الأمريكية بإقرار الحكومة العراقية للاتفاق معتبرة أن هذه الخطوة ترسل رسالة للمنطقة والعالم بأن حكومتي العراق والولاياتالمتحدة ملتزمتان بعراق مستقر وآمن وديمقراطي. وبالطبع فاز إقرار الحكومة العراقية وبعد ذلك البرلمان للاتفاقية الأمنية سيشكل نصرا سياسيا مهما لإدارة الرئيس جورج بوش التي تطمح إلي تحديد صيغة تواجد القوات الأمريكية في العراق قبيل انتهاء التفويض الممنوح للقوات الأمريكية والقوات الحليفة معها في البقاء في العراق لمهام أمنية حتي نهاية هذا العام. الخطوة القادمة وسيسعي العراق بعد إقرار الاتفاق في البرلمان وكذلك إقرارها في الكونجرس الأمريكي لرفع التبعات المفروضة عليه بمقتضي الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة والذي أعطي الولاياتالمتحدة وحليفاتها تفويض احتلال العراق وإدارة شئونه العسكرية المدنية وكذلك إنهاء الأمر رقم 17 الذي أصدره الحاكم المدني الأمريكي للعراق بول بريمر والذي بمقتضاه كان ينظم وضع القوات في العراق وبعثات الارتباط والمقاولين الذين يديرون عمل قوات الأمن الخاصة مثل تلك الفرق التي كانت تدير سجن أبوغريب وقامت بارتكاب جرائم وانتهاكات غير إنسانية ضد المعتقلين. ويضمن الاتفاق الأمني في الجديد استمرار حماية الولاياتالمتحدة للأموال العراقية التي تأتي من تصدير النفط وتودع في صندوق التنمية ومنع أي ادعاءات مالية أو أي محاكم من إقامة الحجوزات عليها. ووفقا للناطق باسم الحكومة العراقية علي الدباغ فإن الحكومة العراقية تمتلك الحق بالمطالبة بإلغاء الاتفاق عندما تكتمل جاهزية قواتها حتي قبل انتهاء السقف الزمني المحدد وأنه بإمكان الحكومة العراقية أن تطلب الاستعانة بخبراء من الولاياتالمتحدة لإدارة أجواء العراق. ومراقبة الترددات الردارية لتوفير حماية متطورة للعراق من أي هجمات جوية أو اختراقات لأجوائه في ظل عدم اكتمال قواته الجوية وإمكانات المراقبة والاستطلاع الجوي. ومن المقرر أن يتم تشكيل لجان عراقية أمريكية عقب مصادقة البرلمان علي الاتفاقية الأمنية لمناقشة مجالات التعاون والعمل المشترك في الشئون السياسية والاقتصادية والأمنية وكل المجالات الأخري بحيث تتولي هذه اللجان تحديد أشكال العلاقات المستقبلية بين بلدين مستقلين وصديقين بل ومتحالفين وفقا لرؤية غالبية وزراء الحكومة العراقية. ويقول الخبير في مجموعة الأزمات الدولية جوست هيلتزمان حول طبيعة العلاقات المستقبلية في العراق والولاياتالمتحدة. إن معظم قادة العراق يعتمدون في بقائهم في السلطة علي هذه الاتفاقية الجديدة والتي ستخدم الأوضاع السياسية وشعبية الأحزاب المؤيدة للاتفاقية قبيل الانتخابات العراقية العامة المقرر إجراؤها العام القادم. صحيح أن كل القوي السياسية العراقية تقول علنا إنها لا تريد بقاء القوات الأمريكية في العراق حتي ولو يوم واحد إضافي إلا أنها تتمسك ببقائها في ظل عدم جاهزية الجيش والأمن العراقي ووجود تهديدات داخلية حقيقية لا تقتصر فقط علي تنظيم القاعدة الذي تلقي ضربات كبيرة في الشهور الأخيرة وإنما في جماعات سنية معارضة والجماعات الشيعية الأخري التي يقودها مقتدي الصدر الذي أعلن تشكيل مجموعة مسلحة باسم لواء "اليوم الموعود" قال إنها ستتخصص في مقاومة الاحتلال الأمريكي في حال قرر البقاء في العراق ولكن غالبية نواب التوافق السنيين توقعوا بأن يحظي الاتفاق بقبول غالبية أعضاء البرلمان علي خلفية موافقة ممثليهم في الحكومة العراقية. وجاءت الموافقة التي أعلنها المرجع الشيعي الأكبر في العراق آية الله علي السيستاني بإقرار ا لاتفاق بما يتوافق مع مصلحة البلاد، شكلت قوة دعم قوية لإقرارالاتفاق من قبل الحكومة العراقية ومن قبل البرلمان الأسبوع القادم. نصر للرئيس بوش وإذا كان الاتفاق يشكل انتصارا للتحالف السياسي الذي يحكم العراق ويعطيه امكانية التأكيد بقرب انتهاء الاحتلال. فان إدارة الرئيس بوش لم تحقق سعادتها بالتوصل إلي هذا الاتفاق الذي سيجعلها تغادر الحكم وقد نقلت ملف العراق لإدارة الرئيس المنتخب "باراك اوباما" وفقا للاتفاقية الامنية، وهي اتفاقية مماثلة لاتفاقيات أخري عقدتها الولاياتالمتحدة مع دول أخري في العالم مثل كوريا الجنوبية واليابان وإلمانيا بعد الحرب العالمية الثانية لتنظم وجود القوات الآمريكية في تلك البلدان، وهي اتفاقيات ولاتزال سارية وبمقتضاها تتواجد القوات الأمريكية هناك وتحصل علي قواعد ثابتة وتسهيلات دون الادعاء بوجود احتلال مباشر. ويوجد حاليا في العراق 152 جنديا أمريكيا موزعون علي 400 قاعدة عسكرية، إضافة إلي قوات محدودة في مقدونيا واستونيا والبوسنة والبانيا في اطار القوة المتعددة الجنسيات. وفي مدينة البصرة يوجد 4 آلاف جندي بريطاني في قاعدة عسكرية في مطار وميناء البصرة، بعد أن انسحبت القوات البريطانية من المدينة وسلمتها للحكومة العراقية. وتنشر القوات الأمريكية في معظم انحاء العراق وبصفة خاصة في محافظتي الموصل وديالي اللتين تعدان الأكثر خطورة ويتواجد فيما 25 ألف جندي أمريكي، وفي الغرب ينتشر 82 آلفا في محافظة الانبار السنية. وفي 15 نوفمبر الحالي فان القوات الأمريكية فقدت 4198 جنديا قتلوا منذ اجتياح العراق في مارس 2003 وتأمل الإدارة الأمريكية الحالية في إيقاف الخسائر عند هذا الحد، وهي كانت ولاتزال ترتعد من الوصول إلي رقم الخمس آلاف قتيل، وبالتالي دعمت في العام السابق قوات الصحوة العراقية "70 ألفا" وقدمت لهم رواتب شهرية وأسلحة ودعت الحكومة إلي استيعاب عدد كبير منهم في القوات الحكومية وخاصة أن تلك القوات لعبت دورا مهما في توجيه ضربات قوية لتنظيم القاعدة في العراق. وتراهن حكومة نوري المالكي علي انخفاض مستوي العنف وتحسن الأوضاع الاقتصادية في الفوز في الانتخابات العام القادم وتقديم نفسه كزعيم وطني خاصة أنه قد أصر علي تغيير اسم الاتفاق من اتفاق وضع القوات الأمريكية في العراق إلي اتفاق سحب القوات الأجنبية من العراق حيث يريد المالكي أن يؤكد أن ذلك ليس اتفاقا لبقاء القوات الأمريكية في العراق وإنما اتفاق لمغادرتها. حرب مع إيران وإذا كانت الأحوال قد هدأت في العراق فإن هناك مخاوف من انفجار مواجهة أخري مع إيران في ظل عدم التوصل حتي الآن إلي اتفاق دولي حول المشروع النووي الإيراني وهو ما قد يدفع الأمور إلي التصعيد في أول اختبار لإدارة الرئيس المنتخب باراك أوباما العام القادم حيث ينظر إليه باعتباره ينتهج سياسة مختلفة عن سياسة بوش الذي شن حربي العراق وأفغانستان ولكن محللين أمريكيين لا يستبعدون أن يظهر أوباما متشددا يصل إلي درجة استخدام العنف المحدود تجاه إيران مما سيترك العراق كجائزة كبري للإدارة الأمريكية القادمة. وهي تضع استراتيجيتها الجديدة للتعامل مع إيران والشرق الأوسط بأكمله، وبالتالي فإن الاتفاقية الحالية هي المقدمة الضرورية لإضفاء الشرعية علي هدية بوش لأوباما.