إذا كان لكل حدث حديث فإن حديثنا عن العلم ورجاله والبحث العلمي وشجونه يثير في النفس ذكريات غالية ويثير في العقل أمنيات باقية. أما الذكريات فترتبط بذلك اليوم العظيم الذي ترك في نفسي شأني شأن غيري أثراً باقياً مع الزمان في عيد العلم فقد مرت الأيام وصاحبنا الذي كرم في عيد العلم في الشهادات الابتدائية والإعدادية والثانوية ثم الجامعة مضت به الأيام وأصبح أستاذا بالجامعة ومرت به وبالدنيا أحداث كثيرة ولكن ظلت تلك اللحظة الخالدة التي ارتدي فيها وشاح عيد العلم وصعد إلي المنصة للتكريم لا تفارق خياله وظلت أبداً لحظة إلهام واستلهام ودعوة وتحريض علي النبوغ وبذل الجهد. لقد توقفنا عن الاحتفال بعيد العلم لعدة سنوات حتي عاد إلينا سالماً معافي مرة أخري منذ عامين وها هو الرئيس مبارك يعلن في عيد العلم أن العقد المقبل بداية من يناير عام 2007 وحتي ديسمبر 2016 سيكون عقدا مصريا للعلوم والتكنولوجيا بعد أن أصبح بناء مجتمع المعرفة شرطا ضروريا للمجتمع العصري الذي ننشده.. كما أعلن أن تطوير التعليم سيظل أولوية رئيسية وعملية مستمرة. وطالب الرئيس الحكومة بالعمل علي زيادة مخصصات التعليم العالي والبحث العلمي في الموازنة العامة للدولة.. وإلي الإسراع في إنشاء صندوق العلوم والتنمية والتكنولوجيا كهيئة مستقلة.. أكد الرئيس علي أن أساتذة الجامعات وعلماء مصر هم ذخيرة هذا الوطن. والاحتفاء بعيد العلم والاحتفال به لا يعني فقط إعلاء لقيمة العلم وتكريما للعلماء والفائزين بجوائز الدولة والتشجيع لأوائل الخريجين وإنما وقد يكون الأهم يمثل دافعا وحافزا ملهما علي الإبداع والتفوق كما انه يعيد إلينا القدوة في شكلها الصحيح وفي تواجهها السليم والنابه.. فنحن نحلم ونريد عندما نسأل أطفالنا وشبابنا عن حلمهم وماذا يريدوا أن يصبحوا؟ أن تكون القدوة لديهم عالما متميزا أو مهندسا مبدعا أو أستاذا مخلصا في مختلف المجالات وفي شتي التخصصات. وإذا كنا قد طعنا شوطا منذ الثمانينيات في الارتفاع بعدد المدارس من 15 ألف مدرسة إلي 39 ألفاً والارتفاع بعدد طلاب التعليم قبل الجامعي من 8 ملايين إلي 18 مليوناً.. والارتفاع بعدد الكليات من 200 كلية ومعهد عالي إلي أكثر من ،500 والارتفاع بعدد طلاب التعليم العالي من 700 ألف طالب إلي ما يزيد علي 2 مليون، والارتفاع بعدد أعضاء هيئة التدريس بالجامعات إلي ما يزيد علي 70 ألف عضو، والارتفاع بموازنة التعليم العالي من 2 مليار جنيه إلي أكثر من 8 مليارات.. إلا أن ذلك كله وكما أعلن الرئيس بحق يظل دون تطلعاتنا وطموحاتنا فمازال أمامنا الكثير لتطوير التعليم في مختلف مستوياته ومراحله وعلي الأخص التعليم العالي والبحث العلمي. ولدينا اشكاليات وتحديات كبيرة في هذا الشأن نرصد منها ما يلي:- أولاً: الاشكالية في الفارق بين ضخامة طموحنا ومحدودية مواردنا.. وهذا ما قد يتطلب منا البحث عن آليات جديدة ومبتكرة وممكنة لسد تلك الفجوة بما نريد وما تسمح به مواردنا المالية وفي ظني وليس كل الظن إثم أن هناك حاجة لدراسة اقتصاديات التعليم وحاجة إلي حث وتمكين المجتمع المدني من المساهمة في هذا المجال والعمل علي إيجاد موارد جديدة لتمويل التعليم. ثانياً: رفع القدرة الاستيعابية لمؤسسات التعليم العالي التابعة للدولة وإتاحة مكان لكل من يريد الحصول علي تعليم جامعي. ثالثاً: إعادة هيكلة مؤسسات التعليم العالي علي المستوي الأفقي وعلي المستوي الرأسي.. بما يعني التوسع أفقياً في إنشاء مؤسسات التعليم الحكومية وخاصة والعمل علي توفير الإمكانيات المادية والبشرية اللازمة لها.. وعلي المستوي الرأسي بتحقيق فلسفة التخصص النوعي وذلك بالتركيز علي المجالات التي تحتاج إليها عملية التنمية ويتطلبها سوق العمل وتستجيب للحاجة إلي التوسع في مراكز التميز المهني والأكاديمي. رابعاً: إدراك العلاقة الوثيقة بين مؤسسات البحث العلمي ومنظومة التعليم العالي وتدعيم التواصل بينهما وربطهما بالقطاعات الإنتاجية والخدمية من جهة أخري. خامساً: إن تطوير منظومة التعليم والبحث العلمي هي عملية وجزءا أصيلا من منظومة الإصلاح والتطوير.. وإذا كانت الهيئة القومية لضمان الجودة والاعتماد للمؤسسات التعليمية قد صدر قانون إنشائها فمازلنا ننتظر صدور اللائحة التنفيذية لهذا القانون بما يكفل في النهاية وجود نظام مؤسسي لتقويم أداء مؤسسات التعليم واعتمادها وفقا للمستويات والمعايير العالمية. سادساً: إن تطوير التعليم والبحث العلمي لا يمكن أن يكون مهمة الحكومة وحدها ولكنه باليقين مهمة مجتمع بأكمله تتضافر فيه جهود الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني ويتطلب العمل الجاد والرغبة الصادقة في ارسال أسس تعليم متميز يفتح الطريق لأجيال قادرة علي بناء مستقبل هذا الوطن. وكل ذلك مرهونا بأن يعرف المجتمع بكل فئاته للمعلم قدره وللعلم جلاله والبحث العلمي قيمته وأن نسعي جميعا لأن ينال المعلم والأستاذ ما يستحقه مادياً وأدبياً.