أصبح الوضع في الوسط الصحفي يدعو الي الاسف فعلا فنحن أمام أسوأ مراحل التدهور التي تشهدها الصحافة المصرية فلا أعراف تتبع ولا تقاليد تراعي ولا معايير يلتزم بها أحد وانما هناك ساحة صراع مترامية الاطراف والكل داخلها في حالة قتال مع نفسه ومع غيره ومع أي كائن يقف أو يعترض طريقه! ومؤخرا انتقل الصراع من مرحلة الغمز واللمز والمنافسة التقليدية الي مرحلة "الردح" و"التطاول" وفي وقت لاحق سيكون هناك التشابك بالأيدي وربما باستخدام الأسلحة البيضاء أيضا! فالذين نراهم أمامنا من بعض الصحفيين والكتاب الذي يتبادلون عبارات جارحة ومهينة في حوادث متدنية سواء كانت مرئية أو مقروءة أساءوا كثيرا الي المهنة وعكسوا واقعا مريرا نعيشه الآن وجعلونا أيضا أضحوكة أمام الرأي العام وساهموا بقصد أو بدون قصد في اضعاف تأثير الصحافة في المجتمع. فالرأي العام الذي يتابع هذه الحوارات ويستمع الي هذه الاتهامات والشتائم من قادة الصحافة في هذا البلد لابد أن ينظر بعد ذلك باستهانة ولا مبالاة لكل ما يكتبونه وما يثيرونه من قضايا بعد أن أصبحوا أمامه مجموعة من "الشتامين" وأصحاب المصالح ولم يعودوا قادة رأي ودعاة مثل وإصلاح وتوعية. فقد اسقطت هذه الحوارات المتدنية الاقنعة من وجوه العديد من الكتاب والصحفيين واضاعت هيبتهم ومصداقيتهم واضاعت معها ايضا الكثير من قيم الصحافة وأخلاقياتها. والقضية ببساطة هي أن الصحافة مرآة المجتمع وانعكاس له ما وحال الصحافة حاليا هو نفس حال المجتمع حيث الكل يرفع الشعارات ويدعي الوطنية ويتحدث عن الأخلاق والمثل والشفافية والكل أيضا يدوس علي كل هذه المبادئ والشعارات إذا ما تعارضت مع مصالحه أو لم تحقق له ما يريد من مكاسب ونفوذ. وفي هذا المناخ الذي تختلط فيه كل الأوراق والمفاهيم فإن أسوأ أنواع الانتهازيين والمتسلقين هم الذين يستطيعون الاستمرار وهم الذين يقدرون علي التلون والمقاومة وهم الذين يظهرون في الصفوف الأولي بعد أن ازاحوا من الطريق كل من حاول ان يبدي مقاومة أو يظهر اعتراضا! ولذلك أصبحت الصحافة مثل غيرها من المجالات الأخري في المجتمع ميدانا لصراعات مريرة لا تهدف الي الارتقاء بالمهنة وخدمة قضايا المجتمع بقدر ما هي صراعات من أجل تصفية حسابات شخصية والقضاء علي الكفاءات والمواهب وافساح الطريق امام حملة المباخر وتصعيد وابراز الضعفاء وانصاف الكفاءات ممن لا يشكلون خطرا علي أحد ولا يتطلعون لأبعد مما حصلوا عليه. وأمام غياب قيادات صحفية مهنية وادارية عميقة التأثير وذات باع طويل في المهنة تستطيع أن تضع اللوائح والقوانين والاجراءات التي يلتزم بها فإن الساحة أصبحت مفتوحة لأن يفعل كل شخص ما يريده بلا خوف من عقاب وبلا تردد في انتهاز الفرصة والحصول علي ما يستحق وأكثر مما يستحق!! وشاهدنا في هذا الوضع الذي يتسم بالتسيب واللامبالاة أخبارا مدسوسة وإعلانات في شكل اخبار تحريرية وحملات صحفية مغرضة من أجل مكاسب مادية وكتابا يكتبون بقوة العضلات والنفوذ دون رؤية أو ثقافة أو اطلاع أو أسلوب واستمعنا الي تعليقات وآراء وتحليلات في الإذاعة والتليفزيون والفضائيات لا علاقة لها بالأحداث والقضايا التي يتحدثون عنها وتعكس جهلا واضحا في المتابعة والمعلومات والقدرة علي قراءة الأحداث. ولما كان الوضع كذلك فإن حالة التذمر والفوضي وغياب المعايير أدت الي ظهور خيالات كاذبة للكثير من الصحفيين بأنهم الأجدر والأكفأ والأحق بالمناصب والامتيازات فأصبحوا علي خلاف مستمر مع قياداتهم الصحفية وفي تباعد شديد معهم فأشعلوا معارك مستمرة في داخل المؤسسات الصحفية وانتقلوا بخلافاتهم خارجها ونشروا فضائحهم علي الهواء ولم نعد نسمع إلا كل ما يشين المهنة ويلوث سمعتها. وقد يكون هناك من أراد للصحافة هذه النهاية الحزينة وأن يتحول العاملون بها الي ادوات في مواجهات لشغل الرأي العام في هذه المعارك الوهمية وقد يكون هناك من أراد هدم الصحافة من الداخل فلم يجد من وسيلة أفضل من أن يدخل الصحفيون في مواجهات مع بعضهم البعض فلا يفل الحديد إلا الحديد ولا يقدر علي الصحفي إلا صحفي مثله وبذلك يتخلصون من الصحافة ووجع الدماغ كله بعد أن كشرت الصحافة عن أنيابها من قبل وبدأت تثير قضايا حساسة مثل التصدي للفساد وسطوة أصحاب النفوذ! ولكن أيا ما كان الأمر فالمؤكد أننا ما كان ينبغي لنا أن ننجر إلي هذا المنزلق وأن نهبط بحواراتنا الي هذا المستوي المتدني وان نكون أدوات في أيدي غيرنا ولا تجعلونا في هذا نندم علي كل من هاجمناهم في عصور ومراحل سابقة واتهمناهم بالنفاق والعمالة والتضليل فقد اتضح الآن انهم كانوا أكثر احتراما من ذئاب كثيرة انطلقت اليوم تفترس الجميع ولا تتردد في تسديد الطعنات والتهام الضحايا من أجل ان تحافظ علي مكاسب وحقوق ومكانة ما كان ينبغي ان تصل اليها لو أن هناك نظاما كان يتبع في الغابة!!