صدق أو لا تصدق بدأت محافظات مصر تعزف عن زراعة القطن والعديد من محاصيل الحبوب الرئيسية وتتجه إلي زراعة محاصيل "التسالي" من اللب بأنواعه والفول السوداني في رد فعل طبيعي لتحرير الدورة الزراعية، والارباح التي يحققها من زراعة هذه المحاصيل. وأصبح الفلاحون هذه الأيام يرفعون شعار "قزقز لب تكسب.. ازرع قطن تخسر"، خاصة مع إقبال المستهلك المصري علي هذه الأنواع، وفتح باب كبير للتصدير إلي الأسواق الخارجية. ناقشت العالم اليوم "الأسبوعي" هذه القضية مع أطرافها الرئيسيين للتعرف علي الأسباب الحقيقية التي تحولت فيها الزراعة المصرية إلي محاصيل "التسالي". في البداية يؤكد زين العابدين عمر "تاجر حبوب" أن الفلاح بدأ خلال السنوات الأخيرة في البحث عن زراعات أو محاصيل تدر عليه عائداً بغض النظر عن احتياجه وأسرته أو حتي المجتمع لهذه المحاصيل.. مشيرا إلي ان الفلاح كان يعتمد علي زراعة القطن ليس من أجل القطن نفسه أو اقتصاد البلد ولكن لأنه يدر عليه أكبر عائد لدرجة انه كان يؤجل كل احتياجات الأسرة وزواج الأبناء لحين بيع المحصول. ويضيف زين العابدين ان الوضع اختلف اليوم وأصبحت الزراعات خلال الموسم تخضع لآليات السوق الحر في الفترات الأخيرة. فإذا حدث ارتفاع في محصول معين وليكن علي سبيل المثال البطاطس نجد أن الفلاحين في المحافظات الريفية يقومون بزراعة "عروات" كثيرة منها اعتقاداً منهم باستمرار ارتفاع الأسعار.. ثم يفاجأون بعد ذلك نتيجة زيادة المعروض عن الطلب بانخفاض الأسعار فيتكبدون الخسارة وخاصة صغار المزارعين. "مقلب" القطن ويضيف رضا عصفور "مزارع" ويعمل في نفس الوقت في تجارة حبوب "التسالي" ان الاتجاه إلي زراعة مثل هذه المحاصيل نتيجة الارباح الوفيرة التي تدرها للمزارع ويحمل الحكومة مسئولية زيادة هذه الزراعات ويقول: لقد خدعتنا العام الماضي واشترت منا قنطار القطن بنصف الثمن، وبعد ان كان سعر القنطار يتجاوز 1000 جنيه اشترته منا العام الماضي ب 570 جنيها للقنطار؟! ويشير إلي ان هناك محافظات بأكملها كانت قد انقطعت تماما عن زراعة القطن منذ تحرير الدورة الزراعية ثم عادت بعد ارتفاع الاسعار لزراعته، ولما شربت هذا "المقلب" لجأت إلي محاصيل حبوب التسالي لتعويض خسائرهم وضمان بيع محصولهم الجديد بأكبر عائد ممكن. ويوضح عصفور ان زراعة محاصيل حبوب التسالي سوف تأتي أيضا علي حساب محصول القمح خصوصا ان هناك جزءا منها يزرع في الشتاء وجزءا آخر يزرع في الصيف، مشيراً إلي ان المؤشرات تؤكد ان الموسم القادم سيشهد انخفاضاً في زراعة القمح رغم ما يتردد عن ارتفاع سعره. وذلك بسبب المضاربة التي أدت إلي انخفاضها وبلغت إلي انه برغم تحديد وزارة التضامن لسعر الأردب ب 165 جنيها، إلا انها حددت درجة النظافة فإذا ما انخفضت درجة النظافة انخفض سعر الأردب إلي 163 جنيها. مما دفع القطاع الخاص إلي الشراء من المزارعين بأسعار أقل من أسعار الحكومة بل ووجد إقبالاً شديداً نظراً لتعنت الجهات الحكومية في عملية فرز القمح. أرقام "التسالي" ويؤكد أحمد العبد رئيس شعبة تجار التسالي بغرفة تجارة القاهرة "نقيب تجار التسالي" ان الكثير من المزارعين اتجهوا مؤخراً لزيادة المساحات المزروعة من محاصيل الحبوب الخاصة بالتالي لدرجة ان هناك فائضا كبيرا للتصدير للخارج.. مشيراً إلي ان السبب في ذلك هو زيادة العائد من هذه المحاصيل مقارنة بالمحاصيل الأخري مثل القطن والقمح، وخاصة ان المزارع يبحث عن الربح الأكثر والأسرع أيضاً. ويوضح العبد ان محاصيل الحبوب الخاصة بالتالي أقل عرضة "للآفات" الضارة التي تضرب المحصول في مقتل يعكس القطن الذي ينخفض معدل إنتاجه بنسبة كبيرة بسبب ذلك، مشيراً إلي ان تفضيل الحكومة للمستورد أكثر من المحلي خصوصاً في محاصيل القمح والأرز وغيرها تعد من أهم أسباب هذا الاتجاه لدي المزارعين، بالإضافة إلي ان هناك من لهم مصلحة في تفضيل المستورد بعكس المحلي الذي لم يستفيدوا منه في شيئا. ويضيف العبد: رغم اننا نصنف ضمن الشعوب الفقيرة "الكادحة" إلا اننا أصحاب "مزاج عالي جداً" ونتسلي بأكثر من 220 مليون جنيه لب وسوداني سنويا ونستورد ب 130 ميون دولار ياميش ومكسرات وقمر الدين كل عام ونستهلك بأكثر من 100 مليون جنيه كنافة وقطائف وكعك العيد وحلوياته في كل رمضان وعيد الفطر أي اننا نتسلي ب مليار و100 مليون جنيه كل عام. ويوضح ان عدد المقالي في مصر ارتفع من 35 "مقلة" أواخر الخمسينيات إلي 400 "مقلة" الآن علي مستوي الجمهورية، بخلاف الباعة الجائلين "السريحة" وباعة الأرصفة الذين يقدمون بضاعة رديئة في الغالب لكن لها زبونها الذي يشتريها لرخصها.