بعد صدور اعلان الالفية الذي اعتمدته القمة العالمية للامم المتحدة في سبتمبر عام 2000 وما صاحبه من تحديد الاهداف التنموية الثمانية للالفية واولها خفض الفقر المدقع في العالم الي النصف بحلول عام 2015 اهتمت الاممالمتحدة بمواجهة كيفية توفير التمويل اللازم لتنفيذ تلك الاهداف في الاطار الزمني المشار اليه، لذلك انعقد في مدينة مونتري بالمكسيك مؤتمر تمويل التنمية عام 2002. وقد صدر عن المؤتمر الاخير وثيقة تم اعتمادها بالتوافق هي "توافق مونتري" التي اعربت ضمن امور اخري عن مطالبة الدول المتقدمة بزيادة المساعدات الرسمية للتنمية بما يسمح بالوصول بها لهدف الاستراتيجية الدولية للتنمية بحيث تصل الي 0.7% من الدخل القومي الاجمالي لتلك الدول، فقد لوحظ انخفاض مستوي تلك المساعدات التي كانت 0.54% في بداية السبعينيات حتي وصلت الي 0.2% مع بداية القرن الحادي والعشرين في الوقت الذي اتسعت فيه الفجوة فيما بين الدول الغنية والدول الفقيرة حتي اصبحت 1 الي 85 ،الامر الذي كان يستدعي زيادة حجم المساعدات. ورغم ان القمة العالمية للامم المتحدة التي عقدت في نيويورك في سبتمبر 2005 قد اتفقت في الوثيقة الختامية علي اعادة تأكيد اهمية وصول مستوي المساعدات الرسمية للتنمية الي هدف 0.7% من الدخل القومي الاجمالي للدول المتقدمة فإنها تركت لكل دولة متقدمة تحديد الاطار الزمني الذي يناسبها لبلوغ ذلك الهدف ولم تفرض اطارا زمنيا ملزما لتحقيق ذلك، وبالتوازي مع ذلك سجلت الوثيقة تعهد الدول المتقدمة بزيادة مساعدات التنمية بمبلغ 25 مليار دولار مع حلول عام 2010. وكما يلاحظ، هذه زيادة متواضعة مقارنة مع حجم التمويل اللازم لتنفيذ اهداف التنمية التي حددها الانكتاد ب 100 مليار دولار في السنة لافريقيا وحدها وبما لايقل عن 250 ملياراً في السنة للدول النامية الاخري بخلاف التدفقات المالية الاخري ومنها الاستثمارات. وبمراجعة التقرير الاخير للامم المتحدة عن "الموقف الاقتصادي العالمي" الصادر عام 2006 يسترعي انتباهنا الملاحظات الآتية: 1- انه وفقا لاحصاءات لجنة مساعدات التنمية DAC التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD زادت المساعدات الرسمية للتنمية للدول النامية بالقيمة الاسمية وليس الحقيقية خلال عام 2004 الي 79.5 مليار دولار مقارنة مع عام 2003 حيث كانت 69 مليار دولار اي ما يعادل 0.26% من الدخل القومي الاجمالي للدول المتقدمة. 2- الا ان الزيادة السابقة تذهب ادراج الرياح امام التدفقات الرأسمالية الخارجية من الدول النامية الي الدول المتقدمة التي زادت باطراد علي التدفقات الداخلة الي الدول النامية، فقد زادت التدفقات العكسية الصافية من 8.1 مليار دولار عام 1997 الي 215 مليار دولار عام 2002 ثم 374 مليار دولار عام 2004 حتي بلغت 483.4 مليار دولار عام 2005 وذلك بعد خصم تحويل فوائد الديون وايرادات. Wald Ecomamic Sitnatin and Prosrect2006 Umited Natoins New York2006 الاستثمارات الاجنبية العاملة في الدول النامية وتعتبر التدفقات الرأسمالية الصافية الخارجية من الدول النامية كارثة تطيح بآمال تحقيق الاهداف الانمائية للالفية وهي تقترب من 6 اضعاف المستوي المسجل للمساعدات الرسمية للتنمية في عام 2004. 3- بلغ الحجم الاجمالي للاستثمار الاجنبي المباشر في العالم 762 مليار دولار خلال عام 2005 بزيادة 17.6% عن عام 2004 الا ان غالبية تلك الاستثمارات اتجهت الي الدول المتقدمة حيث بلغت 443 مليار دولار واستحوذت منها الدول الاوروبية علي نصيب الاسد وكان نصيب افريقيا منها 30 مليار دولار فقط بينام توزع الباقي علي باقي الدول النامية وبصفة خاصة الصين والهند ودول امريكا اللاتينية. 4- انخفض حجم ما يقدمه صندوق النقد الدولي من قروض للدول النامية خلال عام 2004 وتمخضت التدفقات الصافية من الدول النامية الي الصندوق خلال نفس العام حتي وصل الي 7.6 مليار دولار وهو اتجاه عكسي مسجل منذ عام 2001. 5- وازاء الضغوط التي تصاحب زيادة عبء المديونية الخارجية للدول النامية وبصفة خاصة الدول الاقل نموا والاكثر مديونية يلزم موافقة الدول الدائنة والاتفاق مع مؤسستي بريتون وودز علي اتخاذ اجراءات كافية واضافية وخطة ملزمة طويلة المدي لضمان الغاء 100% من ديون تلك الدول ومضاعفة حجم المساعدات الرسمية للتنمية مع ضرورة ان تشمل تلك الاجراءات الغاء وتخفيف عبء جميع الدول النامية وليس فقط ديونها لمؤسسات التمويل الدولية وانما ايضا الديون الثنائية بما في ذلك الديون التجارية وذلك اضافة لتخفيف عبء ديون الدول ذات الدخول المتوسطة او اعادة هيكلتها. وكانت قمة الدول الصناعية الكبري في ادنبرة في يوليو 2005 قد قررت الغاء ديون ثماني عشرة دولة نامية تعد من الدول الاكثر فقرا واكثر مديونية لمؤسسات التمويل الدولية بعد تنفيذ المشروطيات القاسية لمؤسستي بريتون وودز، هذا اضافة لترشيح 17 دولة من نفس الفئة لالغاء ديونها للمؤسستين وبنك التنمية الافريقي خلال عامي 2006 و2007 اذا قامت بتنفيذ تلك المشروطيات. وهي مبادرة تمشي علي استحياء وغير كافية حيث توجد 70 دولة نامية في حاجة الي الغاء ديونها حتي تتمكن من تحقيق اهداف التنمية في الاطار الزمني المحدد، ناهيك عن ان الديون التي تقرر الغاؤها لصالح عدد محدود من الدول النامية ليست الا جزءا محدودا من ديون اكبر حجما وهي الديون الثنائية والتجارية التي لم تشملها مبادرة مجموعة الدول الصناعية السبع ومؤسستي بريتون وودز. *** امام التحديات التي تفرضها التدفقات المالية العكسية التي تخرج من الدول النامية والتي تشكل نزيفا حادا لمواردها تضاف الي ثقل عبء مديونية الدول النامية وخاصة الاكثر فقرا ومديونية يلزم اتخاذ اجراءات عاجلة بالتنسيق فيما بين مجموعات الدول النامية والمتقدمة مع مؤسستي بريتون وودز لوقف نزيف تلك الموارد المالية التي تزيد علي 6 اضعاف المساعدات الرسمية للتنمية والتي رغم زيادتها الضئيلة فان التدفق العكسي للموارد المالية يمحوها وكأنها لم تكن كما يلزم تعبئة مصادر مبتكرة لتمويل التنمية ومنها فرض ضريبة علي مبيعات تذاكر الطيران المدني وضريبة اخري علي المضاربات علي الاسهم والعملات في البورصات واسواق رأس المال والتحويلات علي غرار ما سبق ان اقترحه الاقتصادي الامريكي الحاصل علي جائزة نوبل في الاقتصاد M.TOBIN والذي قدر حصيلة الضريبة اوالرسم المشار اليه بمبلغ 350 مليار دولار في السنة كما يمكن النظر في فرض ضريبة اضافية علي مبيعات الشركات الدولية للدواء واعلاناتها، فعلي سبيل المثال نشرت صحيفة نيويورك تايمز في ديسمبر 2005 ان تلك الشركات انفقت علي الدعاية لدواء واحد فقط لمعالجة الضعف الجنسي Viagra بمبلغ 400 مليار دولار فما المستوي الذي وصلت اليه ارباحها من الادوية الاخري التي يتم ترويجها في مختلف انحاء العالم بما يسمح لها بانفاق هذا المبلغ لترويج مبيعاتها. والخلاصة اذا لم تتخذ العديد من تلك الاجراءات لزيادة التدفقات المالية الصافية لصالح الدول النامية فلا يوجد ثمة امل في تحقيق اهداف التنمية التي وافقت عليها القمة العالمية ضمن الاطار الزمني المحدد اي 2015 بل العكس فمن المتصور والحالة هذه ان تزداد الهوة اتساعا فيما بين الدول المتقدمة والدول النامية وتتراجع معدلات التنمية في دول الجنوب ..وهذا تحد لبقاء البشرية التي يقطن غالبيتها العظمي في النصف الجنوبي من كوكب الارض.