في استباحتهم لأرض الغير كان هولاكو وجنكيز خان والفوهرر هتلر يقودون جندهم للحرب قسرا وضد إرادة المحاربين.. من يحارب يقتل، ومن ينشق علي نداء الحرب أيضا يقتل!.. وبنفس العقيدة العسكرية المهنية بدأت حرب العراق في ليل 20 مارس 2003 - القسر والإجبار للجند وضباط القيادة.. والصدمة والرعب shock and awe للمعتدي عليه العراقي.. أي انها حرب مجردة من الفروسية والقيم ورشد القيادة.. لذلك جاءت نتيجتها "صفرا كبيرا" يتيه به جورج ووكر بوش وقائده دونالد رمسفيلد علي حروب احتلال الأمم! كانت ليلة الخميس الماضي هي ليلة الجنرالات في واشنطن.. من غلبهم وسوء معاملة رمسفيلد لهم، كسروا القواعد العسكرية المقدسة التي تمنع انتقاد قائد الحرب وعمليات الحرب جارية.. انفجروا! أولهم جنرال جريج نيوبولد كبير ضباط العمليات في البنتاجون.. كان كثير الصدام مع تدخلات رمسفيلد الفجة في شئون العمليات في العراق مما دفعها للفشل وارتفاع خسائر القتلي والجرحي.. همشوه وجمدوه.. استقال ولزم بيته.. وجاء الآن ليكشف الحقائق عارية! وآخر القائمة الجنرال جون باتست، قائد الفرقة الأولي مشاة في العراق.. تحمل تدخلات رمسفيلد الجاهلة بالشئون الدقيقة للقيادة وعباراته المتهكمة السامة.. ولما فاض به الكيل استقال.. الآن جاء ليقول كلمته ويضع العسكرية الأمريكية علي الممر الصحيح! تجمع الجنرالات باتفاق مسبق أبرموه عبر الرسائل الالكترونية.. وجاءوا ليهدموا الصنم! أربعة منهم طالبوا باستقالته، مستندين إلي حيثيات لها قوة دانات المدافع.. منها: أخطاؤه الاستراتيجية الجسيمة.. تجاهله للنصائح العسكرية التي يبديها القادة.. اساءة إدارة حملة العراق.. وقد قدم توصيفا دقيقا لهذه التهمة الجنرال انتوني زيني، قائد القوات الأمريكية في الشرق الأوسط ووسط آسيا سابقا.. قال: "لقد ارتكب رمسفيلد سلسلة من الأخطاء الكارثية - disastrous mistakes - ولابد من محاسبته عليها"! ويلخص الجنرال جون باتست مطلب الجنرالات في مواصفات قياسية تتفادي عيوب دونالد رمسفيلد القيادية.. بكلماته: "نريد قائدا يفهم قواعد العمل الجماعي.. ويجيد بناء الفريق.. ويفعل كل ذلك دون تخويف أو تهديد"!!! وفي مقال له في النيويورك تايمز يسوق الميجور جنرال بول ايتون المسئول السابق عن تدريب القوات العراقية عريضة اتهامه للقائد رمسفيلد: انه يتجاهل نصائح الجنرالات العسكرية، أما الضباط الأصغر رتبة فلا يجرؤون علي تقديم أي ملاحظة سليمة، لقد حضرت اجتماعات للتفكير الجماعي، ورأيت نفورا متزايدا من خبراء عسكريين ومدنيين يتمنعون عن ان يدلوا بأفكار ناضجة تعارض أجندة القائد رمسفيلد! ويتداخل الجنرال كولن باول رئيس الأركان ووزير الخارجية السابق في فضيحة رمسفيلد.. بكلماته البصيرة: "في أعقاب سقوط بغداد، تم ارتكاب سلسلة من الاخطاء الجسيمة.. لم تكن لدينا قوات كافية علي أرض العراق.. لهذا عجزنا عن فرض ارادتنا الغازية.. ونجحت المقاومة في أن تبدأ ضرباتها الموجعة بتسليح من تشوينات الأسلحة في معسكرات الجيش العراقي التي تركناها - لقلة القوات - مفتوحة دون حراسة.. وسرعان ما خرجت قوات المقاومة عن السيطرة! آسف.. إني لا أستطيع! ثمة كتاب مهم يسند ثورة الجنرالات، ويقرأه الآن كبار ضباط البنتاجون بغاية الاهتمام.. عنوانه: إهمال الواجب Dereliction of Duty فيه يضع مؤلفه ميجور ماكماستر مسئولية الهزيمة في فيتنام علي اكتاف كبار الضباط الميدانيين الذين لم يتكلموا بصراحة عن قوة العدو وتصميمه علي النصر، ويملأوا بمصارحتهم آذان البنتاجون والبيت الأبيض.. ولو حدث لتم تغيير المواقف والنتائج! المؤلف كولونيل ما كماستر الآن قائد الفرقة الثالثة مدرعات في العراق.. امتدحه أخيرا جورج بوش وصعد نجمه لجهوده في تطهير مدينة تلعفر وتأمينها.. المفارقة الغريبة انه عندما سألته مجلة نيويوركر قبل أيام: هل مازالت تضع لومك علي رؤوس كبار الضباط في العراق مثل فيتنام، الذين لا يجرؤون علي الكلام؟! رد متهربا ومتخاذلا: "إني لا أستطيع الآن مجرد تلمس إجابة لهذا السؤال"!! وخامس القادة الثائرين علي فشل رمسفيلد في ادارته للحرب هو الميجور جنرال تشارلز سوانك، قائد الفرقة 82 المحمولة جوا التي أبلت في حرب العراق بلاء مشهودا.. يقول سوانك: "ما أحوجنا إلي مواصلة الحرب الشاملة ضد الإرهاب، لنخمد محاولاته المدمرة بعيدا عن شواطئنا.. لكني لا اعتقد ان وزير الدفاع دونالد رمسفيلد هو الشخص المناسب لقيادة الحرب ضد الإرهاب.. وحكمي هذا يستند إلي فشله المطلق في ادارته للحرب ضد صدام في العراق"! في مقال له في مجلة تايم بعددها الأخير، يعترف ليوتننت جنرال جريج نيوبولد رئيس العمليات في العراق سابقا، بأن الحرب اتسمت بسلسلة متتابعة من السياسات العسكرية الفاشلة.. منها: القرار المفاجيء بتسريح الجيش العراقي.. تشويه تقارير المخابرات العسكرية حول الإدارة الدقيقة للتشكيلات العسكرية micromanement الأمر الذي حرمها من الدعم العسكري المطلوب سواء في المعدات أو الأفراد..! الفشل في اعادة تشكيل الجيش العراقي وتسليحه! ويجمع الجنرالات الثوار علي أن حرب العراق جاءت حربا بلا ضرورة.. وأن منطق القيادة المتعصبة التي وضعت خطتها سلبتها المعني، وجردتها من السبب الصحيح Justa causa الواجب توافره لاندلاع الحرب! صاحب اللسان الزالف! وما سبق يتسق تماما مع عقيدة باول powell Doctrine التي قال بها أبو العسكرية الأمريكية: جنرال كولن بأول.. وتصر عقيدته العسكرية علي ألا تتحرك القوات الأمريكية لخوض حرب إلا بتوافر 3 شروط: 1- مهمة واضحة المعالم - 2 - قوة ساحقة قاهرة 3- خطة استراتيجية واضحة للخروج من الحرب. لكن الذي جري أن ضربة سبتمبر دفعت أمريكا إلي الدخول في صراعات عسكرية لاسقاط الانظمة وهدم الأمم ثم إعادة بنائها.. وهي عملية غير منتظمة مستهلكة للوقت فادحة الكلفة! وقد بدأ الكونجرس يضيق لما يجري في العراق، ويتساءل نوابه وشيوخه عما اذا كانت العمليات العسكرية في العراق تسترشد بقواعد استراتيجية موحدة لتأمين الوطن الأمريكي.. أو أنها تترنح بلا هدف في خواء بلاد الرافدين؟! دفاعا عن صاحب اللسان الزالف والفشل العسكري المجسم يقول لورانس دي ريتا كبير مساعدي رمسفيلد: "ان تفاعله مع القيادات العسكرية أمر متكرر ومعتاد.. وقد يشوب لقاءاته بهم شيء من الحدة والانفعال.. لكنها تتسع لسماع آرائهم مادامت لا تتناقص مع سياسات الولاياتالمتحدة"! أما بوش فرجع الصدي عنده مغمي عليه.. بكلماته البليدة: "الوزير رمسفيلد بقيادته النشطة والثابتة، هي بالضبط ما نحتاجه الآن في هذه الظروف الحرجة وهو يستحق كل مساندتي وعميق تقديري"! انها مداراة المحتاج.. بوش لا يستطيع اجراء أي تغيير سياسي وانتخابات الكونجرس تدق الأبواب باليأس المنقط بالأمل! ثم إن "رئيس الحرب" لا يقبل أن يقيل "قائد الحرب".. وإلا كان كمن يأكل بعضه بعضا.. أو كمن يهدم المعبد فوق رؤوس جميع المصلين!!