من الاشياء القليلة التي تتفق فيها واشنطنوطهران هذه الايام رغبة كل منهما في استخدام البترول كسلاح سياسي ضمن صراعهما علي برنامج ايران النووي.. وتقول مجلة "فورتشن" ان الولاياتالمتحدة تعتقد ان فرض عقوبات علي صادرات ايران من الطاقة قد يجبر طهران عن التخلي عن طموحاتها بشأن تخصيب اليورانيوم. ومن جانبها تعتقد ايران ان تهديدها بوقف بعض او كل صادراتها من الطاقة سيدفع المجتمع الدولي الي الكف عن الضغط عليها في موضوع تخصيب اليورانيوم.. والحقيقة انه لا احد يعرف من يعاقب من في لعبة شد الحبل البترولية التي يجري التهديد بها في كل من واشنطنوطهران. ولكن الشيء الوحيد المؤكد هو ان اي انخفاض ملموس في انتاج ايران من الطاقة ايا كان سببه - بإرادة ايرانية ام بارادة امريكية - سيكون له تأثير هائل علي اسعار البترول العالمية. فايران هي رابع اكبر مصدر للبترول في العالم بعد السعودية وروسيا والنرويج التي تحتل المراكز الثلاثة الاولي علي الترتيب.. فهي تبيع 2.5 مليون برميل بترول يوميا والمعتقد ايضا انها تستحوذ علي 10% من الاحتياطيات البترولية المؤكدة في العالم. ويقول كثير من المحللين ان اي انخفاض في المعروض من البترول الي جانب عناصر اخري مثل تزايد الطلب الصيني والهندي وعدم الاستقرار في نيجيريا وتكرار الكوارث الطبيعية التي ضربت معامل التكرير الامريكية في العام الماضي سوف تتضافر كلها لتقفز بسعر برميل البترول الي 80 دولارا وربما الي 100 دولار خلال وقت قصير جدا. ولكن هل واشنطنوطهران جادتين في تهديداتهما؟! فيما يخص طهران يمكن القول انها جادة علي الاغلب لانها لا تملك اسلحة اخري لها نفس فعالية سلاح البترول في ترسانتها.. صحيح ان ايران يمكن ان تؤجج عدم الاستقرار في العراق وان تستعين بحزب الله وحلفائها الفلسطينيين في توجيه ضربات الي اسرائيل ولكن هذه اسلحة لن تستطيع ايران المجاهرة باستخدامها.. ان قادة ايران الذين يريدون توحيد شعبهم حولهم واحداث انقسام في الرأي العام العالمي لن يمكنهم استخدام اي سلاح سوي سلاح الصادرات البترولية من اجل التأثير في نتيجة الصراع الدبلوماسي مع الغرب حول البرنامج الايراني النووي. وطبيعي ان ايران لن توقف كل صادراتها البترولية حتي لا تلحق ضررا جسيما باقتصادها خصوصا وان نصف ايرادات ايران وثلاثة ارباع عملتها الصعبة تأتي من الصادرات البترولية.. اضف الي ذلك ان وقف الصادرات البترولية الايرانية كليا سيضر حلفاء ايران وخاصة الصين وان كان سيزيد دخل الدول المصدرة للبترول مثل روسيا وباقي دول الاوبك.. ولكن يبقي امام ايران اتخاذ خطوات متدرجة تروع اولئك الذين يعتمدون علي الطاقة الرخيصة نسبيا دون ان تضر الاقتصاد الايراني.. فهي تستطيع خفض صادراتها بمقدار 200 - 300 الف برميل يوميا لتحدث ما تريد من آثار خصوصا ان رد فعل السوق سيكون كبيرا حيث سيدخل فيه عنصر الخوف مما قد تتخذه ايران من خطوات تالية. وتقول مجلة "فورتشن" ان واشنطن ايضا جادة في تهديداتها.. صحيح ان ايران دولة مصدرة للبترول ولكنها تستورد كثيرا من المنتجات البترولية المكررة، وتري واشنطن ان حرمان ايران من هذه المنتجات وخاصة البنزين سيكون له اثر فعال خصوصا ان ايران لن يمكنها بناد معامل تكرير تغطي احتياجاتها من هذه المنتجات المكررة التي تتزايد بمعدل 5% سنويا اضف الي ذلك ان مقاطعة واشنطن للصادرات الايرانية سيضر ايران اكثر مما يضر الولاياتالمتحدة. وليس من المرجح في تقدير "فورتشن" ان تبدأ ايران باستخدام سلاح البترول.. ولكن اذا بدأت الولاياتالمتحدة في فرض عقوبات عليها سواء عن طريق مجلس الامن الدولي او تحالف اصغر من الدول المتفقة مع واشنطن في الرأي فان ايران سترد بخفض صادراتها البترولية خفضا محدودا لوقف الضغط الدولي الموجه ضدها.. واذا لم يحقق هذا الخفض المحدود هدفه فسوف توقف طهران صادراتها البترولية الي حلفاء الولاياتالمتحدة وهو ما لوح به وزير البترول الايراني في مارس الماضي.. واول الدول التي يحتمل ان تضار من هذه الخطوة هي اليابان التي تأخذ 16% من احتياجاتها البترولية من ايران. وتبقي ايضا ورقة ايران الرابحة وهي التلويح باغلاق مضيق هرمز اذا ما لوح الاخرون بضرب منشآتها النووية وهذا هو ما حاولت ايران ان تقوله عن طريق مناوراتها البحرية الاخيرة.. فاغلاق مضيق هرمز سيحرم السوق العالمي من 20% من المعروض البترولي. وللحقيقة فان طهران لن يمكنها اتخاذ اي خطوة دون حسابات دقيقة فخفض الصادرات البترولية الايرانية سيضر ايران واغلاق مضيق هرمز سيعتبر عملا من اعمال الحرب يستدعي الردع الدولي من جانب مجلس الامن الذي سبق ان حذر طهران من احتمال استخدام القوة العسكرية ضدها اذا لم توقف برنامجها لتخصيب اليورانيوم ناهيك بالطبع عن اغلاق مضيق هرمز.. ويجادل بعض المحللين قائلين ان ايران النووية اقل اضرارا بالمصالح الامريكية من حدوث انخفاض حاد في الانتاج الايراني من البترول او اقدام ايران علي اي عمل لردع التهديد الامريكي او الاسرائيلي بضرب منشآتها النووية وان ايران لن تفكر مطلقا في ضرب اسرائيل بصاروخ نووي لان اسرائيل سترد بنفس السلاح. ولكن ما تخافه ادارة بوش في الحقيقة هو ان تستخدم ايران قوتها النووية في الهيمنة السياسية علي منطقة الخليج او بيع المواد والخبرة النووية لدول اخري او ربما تقديمها للجماعات الارهابية.. اضف الي ذلك ان دول شرق اوسطية اخري "خاصة السعودية" قد تفكر بدورها في حيازة السلاح النووي.. كما ان انهيار النظام الايراني تحت وطأة تناقضاته الداخلية سيفقد ايران السيطرة علي اصولها النووية ويجعلها تتسرب الي السوق السوداء العالمية. والخلاصة ان واشنطن ستواصل في الاشهر القادمة الضغط من اجل توقيع عقوبات دولية ضد طهران عبر مجلس الامن ولكن احتمال الفيتو الصيني او الروسي سيظل قائما بسبب علاقات الدولتين القوية بايران.. وهنا قد تلجأ واشنطن الي الخيار الاخر وهو توقيع عقوبات من جانب مجموعة دولية او تحالف دولي مختار ولكن طهران يمكنها ان تفسد هذه العقوبات ايضا.. ورغم موافقة واشنطنوطهران علي اجراء مباحثات مباشرة بينهما حول الوضع في العراق واحتمال اثارة الملف النووي الايراني في هذه المحادثات فالمتوقع عدم الوصول الي اي حل في هذا الشأن خلال تلك المباحثات. وهكذا نتأكد من اتفاق واشنطنوطهران علي فكرة واحدة وهي ان سلاح البترول سلاح فعال في حل مشكلة الملف النووي الايراني.. كل منهما من زاويته بطبيعة الحال.. ولكن يبقي السؤال: من سيبدأ الخطوة الأولي ومتي؟! وكيف سيرد الطرف الآخر؟!