لقد كان هناك قدر كبير من التشاؤم يحيط الاقتصاد الألماني خلال السنوات الأخيرة علي الرغم من كونه أكبر اقتصاد في منطقة اليورو بل وفي أوروبا كلها، فمعدلات نموه كانت محدودة للغاية وتميل إلي أن تكون أقل من واحد في المئة أو ربما أكثر قليلا، كما أن معدل البطالة وصل إلي مستويات قياسية غير مسبوقة تناهز ال 6.11% من إجمالي قوة العمل الألمانية. ولكن يبدو في تقدير مجلة "الإيكونوميست" أن روشتة الإصلاح التي يعمل بها المستشار الألماني جيرهارد شرودر قد بدأت تقلب هذه الموازين وتضع اقتصاد ألمانيا علي حافة منحني صاعد.. ويرصد الخبراء عاملين كانا وراء التحسن في صورة الاقتصاد الألماني أولهما هو قيام الشركات الألمانية الكبري بإعادة هيكلة أنشطتها وخفض قاعدة تكاليف الإنتاج المتضخمة والاعتماد علي التصدير كبديل للطلب الداخلي من أجل تحقيق النمو، أما العامل الثاني فهو اتجاه سوق العمل إلي المرونة بدرجة غير معهودة في بلد تسيطر النقابات علي مقدرات عماله واقتناع النقابات بأن المرونة في تحديد الأجور هي البديل المنطقي لفقدان فرص العمل والوظائف. ونحن نعرف أن خطة الإصلاح التي يتبناها الحزب الاشتراكي الحاكم قد انطلقت في عام 2003 وأنها سوف تستمر حتي 2010 وأن دعوة المستشار شرودر إلي الانتخابات المبكرة المقرر إجراؤها بعد نحو 3 أسابيع الهدف منها الحصول علي فوز يمكنه من تنفيذ باقي بنود الخطة دون ضغوط من المعارضة تعرقل مسارها.. ورغم أن الاقتصاد الألماني قد أصبح جاهزا للحركة إلي الأمام إلا أن عجلته لم تبدأ الدوران بعد بالقوة الكافية فالعربة أمكن إصلاحها ولكنها لم تنطلق.. ولذلك سيكون علي شرودر أن يبني حملته الانتخابية كما فعل عام 2002 علي موقف سياسي متميز.. وقد كانت معارضته لعملية غزو العراق أحد أهم أسباب نجاحه ويبدو أنه سيبني موقفه السياسي المتميز هذه المرة علي معارضته لتوجيه ضربة عسكرية لإيران بسبب برنامجها النووي. وأيا ما كان الأمر فسوف نلاحظ أن رجال الأعمال الألمان صاروا أكثر ثقة في المستقبل وأن ثلثي الشركات الثلاثين الأكبر المسجلة في البورصة قد تحسنت نتائجها في الربع الثاني من العام الحالي وأن نتائج شركات الكيماويات مثل أطلنطا وباير وكذلك BASF زادت بنسبة 20% عن نفس الفترة من العام الماضي كما تحسنت نتائج شركات الطاقة والتأمين والبنوك، وربما كان تحسن أوضاع البنوك هو العنصر الأهم بالنسبة لمستقبل الاقتصاد الألماني. وتقول مجلة "الإيكونوميست" إن مرونة سوق العمل صادرت من المكونات المهمة لقوة الدفع الجديدة التي يكتسبها الاقتصاد الألماني.. وقد لوحظ أن 30% من قوة العمل صارت تعمل الاَن إما لبعض الوقت أو في وظائف مؤقتة وهو تطور غير مسبوق. والحق أن الشركات الألمانية معذورة لأن هذه الشركات عليها أن تتنافس في الأسواق العالمية مع شركات تقل تكلفة العامل فيها بنسبة 80% عن تكلفة العامل الألماني.. فأجر العامل الألماني في الساعة يبلغ في المتوسط 6.27 يورو "34 دولارا" أما في بريطانيا فأجر العامل 9.19 يورو في الساعة وفي الولاياتالمتحدة 8.18 يورو/ساعة أما في شرق ألمانيا فهو 2.17 يورو/ساعة وينخفض أجر العامل في وسط وشرق أوروبا ليصبح 5 يورو فقط في الساعة.. ولذلك فعندما هددت الشركات الألمانية بنقل فرص العمل إلي الخارج تعلمت النقابات الواقعية واستجابت لدعوات تجميد الأجور أو زيادتها بشكل معقول ومقبول ومناسب. والحقيقة أن خطة شرودر لتطوير الاقتصاد الألماني لم تقتصر علي هذين العنصرين فقط ولكنها امتدت إلي جوانب كثيرة منها علي سبيل المثال إشاعة الرغبة في الابتكار والقدرة عليه بين جميع العاملين في الحكومة والشركات ومنها أيضا التركيز علي دخول عصر تكنولوجيا المعلومات بقوة وتطوير التعليم والاقتصاد في استهلاك الطاقة وتشجيع استخدام رأس المال المخاطر وغيرها. وإذا كنا نقول إن عربة الاقتصاد الألماني قد صارت مستعدة للانطلاق فليس معني ذلك أن ألمانيا قد تخلصت من جميع مشاكلها الاقتصادية خاصة المشاكل الهيكلية مثل نقص معدلات المواليد من 3.1 مليون طفل عام 1960 لتصبح 700 ألف طفل فقط سنويا في عام 2004 وهذا معناه أن كل أم ألمانية في سن الإنجاب عليها أن تنجب طفلا إضافي لزيادة عدد العاملين علي نحو يضمن تمويلا كافيا لأنظمة معاشات التقاعد للأجيال القادمة. ومن المشاكل الهيكلية المهمة التي لم تتخلص منها ألمانيا أيضا مشكلة نقص الطلب الداخلي وما لم ترتفع ثقة المستهلكين ويزيد إنفاقهم فسيبقي هناك خطر اعتماد الشركات الألمانية والنمو في الاقتصاد الألماني علي التصدير للخارج وهناك من يعتقد أن زيادة الأجور بنسبة 2 3% يمكن أن تحل هذه المشكلة وهذا هو رأي الاشتراكيين ولكن هناك من يري أن الحل الأمثل هو فصل الأجور عن التكاليف الإضافية الخاصة بالتأمين الاجتماعي وتلك مشكلة لا تزال موضع بحث مع غيرها من المشاكل الاقتصادية المعلقة.