عبست الاقدار لدول منطقة اليورو في الآونة الاخيرة علي نحو ظاهر للعيان.. ففي المانيا صوت الناخبون ضد حكومة المستشار جيرهارد شرودر وحزبه الاشتراكي الديمقراطي بعد ان قادا عملية الاصلاح الاقتصادي المعقولة وفي فرنسا وقعت انتفاضة المهمشين من شباب الجاليات المهاجرة واحرقت قيما كثيرة الي جانب ما احرقته من اشياء مادية وفي نفس الوقت يتلهف البنك المركزي الاوروبي علي عذر يرفع به اسعار الفائدة لكي يخنق النمو الاقتصادي الواهن في هذه المنطقة المنكوبة. وتقول مجلة "الايكونوميست" ان الناقمين لا يرون ان شيئا قد تغير وان اقتصاد منطقة اليورو يبدو بائسا وسوف يظل كذلك ولكن يبدو ان هؤلاء الناقمين والمتشككين لا يرون الصورة من كل زواياها.. فاقتصادات منطقة اليورو تنهض بسرعة وتقول الارقام المنشورة منذ ايام ان منطقة اليورو حققت في الربع الثالث من هذا العام معدل نمو في اجمالي الناتج المحلي يبلغ 0.6% اي نحو 2.6% سنويا وهو اسرع معدل نمو يتحقق في هذه المنطقة منذ عام ونصف العام.. فمعدل النمو في المانياوفرنساواسبانيا في الربع الثالث كان 0.6% اما في ايطاليا وهولندا فقد كان 0.3% فقط ولا يخفي علي احد ان المانياوفرنسا هما العمود الفقري لدول اليورو. وقد تكون هذه الارقام بالمعايير الامريكية ارقاما منخفضة حيث تحقق الولاياتالمتحدة معدل نمو سنويا يبلغ 3.8% في الربع الثالث نفسه ولكن معدل النمو الاوروبي البالغ كما قلنا 2.6% سنويا افضل مما كانت تحققه من قبل ولم يكن يتجاوز ال1.8% سنويا في العام الماضي وربما كان ضعف النمو الاوروبي عن النمو الامريكي راجعا الي بطء النمو في الانتاجية الاوروبية عنها في امريكا الي جانب نمو سكان امريكا اسرع من النمو السكاني في منطقة اليورو. وربما كانت التركيبة الكاملة لمعدل النمو الاوروبي في الربع الثالث غير معروفة حتي الان ولكن الارقام الالمانية المعلنة علي الاقل تفسر لنا الكثير وتؤكد ان زيادة الصادرات والاستثمارات وراء ما تحقق من نمو في الربع الثالث خصوصا ان انفاق المستهلكين قد تقلص في تلك الشهور.. اما في باقي دول اليورو فقد كان نمو انفاق المستهلكين هو القاطرة الرئيسية للنمو تليه زيادة الصادرات وقد ثبت خطأ الفكرة التي تقول بان زيادة الصادرات هي القاطرة الرئيسية للنمو في اوروبا، ففي حسابات مورجان ستانلي ان الصادرات مسئولة عن 0.1% فقط من معدل النمو الذي يحققه الاتحاد الاوروبي منذ عام 1999 وحتي الان الذي يبلغ في المتوسط 1.9% سنويا. حتي في المانيا فان طلب المستهلكين بدأ يزيد مؤخرا وان الالمان فتحوا محافظهم من اجل الانفاق وزادت قروضهم من البنوك لنفس الغرض في شهري اكتوبر ونوفمبر ولذلك فان توقع عدم نمو اوروبا في العام القادم باكثر من 1.6% سنويا هو توقع ستثبت الايام انه بالغ التشاؤم.. ويدعم هذا الرأي ما حدث من انخفاض ملموس في معدل البطالة داخل منطقة اليورو ليصبح 8.4% في سبتمبر الماضي بعد ان كان 8.8% في المتوسط في شهر ابريل.. والمأمول بالطبع ان تؤدي اصلاحات سوق العمل في دول اوروبا الي دعم هذا الاتجاه عن طريق تحقيق زيادات كبيرة في معدلات التشغيل. وتقول مجلة "الايكونوميست" بالارقام ان اسبانيا هي صاحبة اعلي معدلات تشغيل سنوية منذ عام 2000 وحتي الان حيث تبلغ 4% سنويا اما معدل نمو التشغيل في ايطاليا خلال نفس السنوات الست فكان في حدود 1.4% ولذلك انخفض معدل البطالة الايطالي من 12% عام 1998 ليصبح 7.7% حاليا وربما كانت المانيا هي الاستثناء الوحيد من هذا الاتجاه الاوروبي الي خفض معدلات البطالة والمتوقع ان تواصل الحكومة الالمانية الجديدة سياسات الاصلاح الاقتصادي علي نحو يدفع معدل البطالة في المانيا الي الانخفاض. والحقيقة ان المقارنة بين اوروبا وامريكا اقتصاديا لا تستقيم الا اذا ذكرنا ان الفارق بين الطرفين محدود للغاية في كثير من المؤشرات المهمة الاخري مثل معدل الزيادة في متوسط دخل الفرد فالنسبة في امريكا 1.5% سنويا وهي في اوروبا 1.4% والفارق كما هو واضح ليس كبيرا.. وربما تكون امريكا افضل من حيث انخفاض معدل البطالة فيها وارتفاع معدل التشغيل علي عكس الحال في اوروبا ولكن النظرة الفاحصة ولمدي زمني اطول تثبت ان اوروبا كانت هي الافضل في هذين المؤشرين خلال السنوات الخمس أو العشر الاخيرة.. اضف الي ذلك ان نسبة من هم في سن العمل في اوروبا قد انخفضت منذ عام 1996 من 73% لتصبح 71% اما في امريكا فقد زادت النسبة خلال نفس الفترة من 59% لتصبح 65% اضف الي ذلك ان اوروبا حققت ما حققته من نمو في ظل توازنات افضل للاقتصاد الكلي وبدون زيادات ضخمة في عجز الميزان الحسابي لميزان المدفوعات او الموازنة العامة للدولة علي عكس الحال في الولاياتالمتحدة. وليس معني ما تقدم ان كل الامور صارت وردية في منطقة اليورو بل معناه ببساطة ان اوروبا تستطيع ان تبتسم علي الرغم من عبس الاقدار مؤخرا في وجهها