فتحي الباش إن أي دولة إسلامية مهما كانت امكاناتها الاقتصادية لن تستطيع أن تصل إلي المستوي الاقتصادي الذي تمليه ظروف العصر ما لم تتكامل اقتصاديا مع مجموعة أخري من الدول، وقد أكدت هذه - الحقيقة بالنسبة لكل دول العالم الثالث - دراسة قام بها معهد علم الاقتصاد التطبيقي بفرنسا، فقد أظهرت هذه الدراسة أن من أهم الظواهر المعوقة لنمو هذه البلاد هي اقتصار اقتصاداتها علي النطاق الوطني المحدود علي حين أن حقائق العصر توضح أن هذا النطاق قد فات أوانه، إذ لابد أن تتسع قاعدته في الداخل وأن يتكامل مع اقتصاديات مجموعة دولية كبيرة. هذه الحقيقة أكدت نفسها علي نطاق الدول الإسلامية وغير الاسلامية فقد تستطيع احدي دول العالم الاسلامي أن تحل بعض مشاكلها، لكم معظم قضايا الإنتاج والحرب والسلام أصبحت مرهونة بتدخل لكيانات العالمية الكبري القادرة علي الحل، ولعل قضايانا البترولية والسياسية هي خير دليل علي ذلك أننا نسعي لأروقة الأممالمتحدة لاستنفار الضمير العالمي كي يساعدنا علي إنهاء اغتصاب إسرائيل لحقوقنا وبعضنا يخطب دور الكيان الرأسمالي بغية أن يخلصنا من مشكلة هم المرجون لها والحريصون علي بقائها ولو كان العالم الإسلامي كيانا واحدا لحسم القضية بنفسه في سهولة ويسر بل وما كانت هذه المشكلة لتنشأ أصلا. ولقد وعت الدول الكبري حقائق العصر الذي نحياه فنحن نعيش عصر الشركات العملاقة المتعددة الجنسيات والمخترعات العلمية والعسكرية باهظة التكاليف إلي درجة أن ميزانية دولة بأكملها تعجز عن الوفاء بمستلزماتها ولهذا تجدهم بعد أن فقدوا مستعمراتهم لم يكتفوا بامكاناتهم الضخمة وإنما يسعون لتكوين أحلاف واتحادات وإيجاد أسواق مشتركة فيما بينهم مستهدفة الوصول إلي الاكتفاء الذاتي فيما بينهما حتي تخفف من الضغوط الاقتصادية والسياسية والعسكرية وحتي يكون لها كلمتها وإرادة تتناسب مع كيانها العملاق. وهكذا انتهي عصر الدول والدويلات تاركا مكانا لعصر الكيانات الكبري كالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول حلف وارسو والصين، إن أمريكا علي سبيل المثال تستهلك 95% من إنتاجها داخل حدودها أي تستطيع أن تلغي تعاملها مع العالم الخارجي دون أن يتأثر اقتصادها إلا بحوالي 5% فقط هي إذن تتمتع بقدر من الحرية والاستقلال مناسب لدرجة الاكتفاء الذاتي نفس يمكن أن يقال مع بعض الفروق عن الصين والاتحاد الأوروبي واليابان. ويختلف الأمر مع الدول الإسلامية حتي وإن كانت اندونيسيا أو باكستان أنها مهما بذلت من جهد تنموي فإن معطيات العصر تقول بأنها لن تكون في وضع أفضل من اليابان بل إن تقدمها وقدرتها علي مجابهة أوضاع العصر مرهونان بتكاملها مع مجموعة أخري من الدول ولا شك أن أن أنسب مجموعة وأكثرها تجانسا معها هي مجموعة الدول الإسلامية الأخري. ولكن كيف يمكن تكوين هذا الكيان الاقتصادي الإسلامي العملاق في الوقت الذي نتصارع فيه ونتشتت بين المذاهب ونحن دائما مشتبكون دائما في صراعات ايدولوجية دخيلة علينا كما اقمنا اقتصادنا علي دعائم مذهبية متعارضة مما يجعلها متنافرة فيما بين البعض وبعض من ناحية ومع ضميرنا الاسلامي وثقافتنا الشرقية من ناحية أخري. ليس امامنا من سبيل اذن إلا الاعتصام بمذهب واحد ننظم أوضاعنا الاقتصادية والاجتماعية علي هدي منه حتي نزيل أسباب الفرقة والتشتت. إنه المذهب القادر علي استثارة همم المسلمين في العمل والإنتاج بعد أن فشلت المذاهب المستوردة في تخليصنا من التخلف - كما أنه المذهب الكفيل بتوحيد الاسلوب والهدف بين المسلمين مهما تباعدت بهم المسافات الجغرافية أو المزاجية. إن وجود مذهب واحد نجتمع عليه ونطبق مبادئه هو الاسلوب الوحيد للخلاص من الصراع المذهبي من ناحية ولإقامة اقتصاد اسلامي متآلف وقابل للتكامل وهو ضرورة حتمية أمام العالم الإسلامي إذا رغب أن يصبح له كيان اقتصادي عملاق قادر عي التعامل مع مقتضيات العصر. إن النجاح الجزئي للنظم البديلة يعزي إلي ظروف خاصة يندر تكرارها، وهي ظروف تاريخية وسياسية وعسكرية غير قابلةل للتكرار في الوقاع العربي الإسلامي. خبير مصرفي