نعم هناك تزايد في وعي الدولة والمواطنين بأهمية التعليم والبحث العلمي، ولدينا خطوات إيجابية، لكننا نحتاج إلي ثورة في أساليب التعليم فالترميم وحده لا يكفي، هكذا أنهي الدكتور محمد نبيل صبري أستاذ الهندسة بجامعة المنصورة حواره الثري مع روزاليوسف حول مستقبل التعليم في مصر. واعتبر صبري أن التركيز علي أبحاث النانو تكنولوجي يمكن أن ينقل مصر إلي مصاف الدول الاقتصادية العظمي. ولفت أستاذ الهندسة إلي أن دور الجامعات -من خلال البحث العلمي وإعداد الكوادر- أصبح محوريا في صناعة اقتصاديات العالم الجديد.. إلي النص. بم تحلم لدور الجامعة المصرية؟ - كان للجامعة علي مر العصور دور رائد في المجتمع، ولكن العصر الحديث فرض عليها دورا فوق العادة.. في القرنين الماضيين، أثناء الثورة الصناعية لعبت الجامعة من خلال بعض الابتكارات دورا ما في تنامي ثروة المجتمع.. ولكن في هذه العصور اعتمدت الثروة بدرجة كبيرة علي عناصر مادية: فحم، حديد قطن، أيدٍ عاملة رخيصة تقوم بأعمال يحتاج أغلبها لخبرات محدودة، أما في العصر الحديث، عصر ثورة الاتصالات والمعلومات، فإن العالم كله يتحدث اليوم عن الاقتصاد القائم علي المعرفة.. نحن نعيش عصرا يتنامي فيه حجم المعرفة المتاحة للبشرية بسرعة فائقة سواء بصورة نوعية معارف واكتشافات جديدة أو كمية في صورة انتشار المعرفة وإتاحتها لقدر كبير من البشر عبر الإنترنت.. أما أثر ذلك علي الاقتصاد، فيكفي أن نذكر دراسة صدرت عن منظمة التعاون والتنمية أوضحت أنه في الفترة من 1995 إلي 2003 كانت تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات وحدها سببا في زيادة الناتج القومي بنسبة 20 ٪.. في هذه الظروف أصبح دور الجامعة محوريا من خلال البحث العلمي ومن خلال إعداد الكوادر القادرة علي العطاء في هذا العالم الجديد. وما موقف مصر من هذه التطورات؟ - هناك عدد من المؤشرات المتاحة، والتي لا تحتاج لتعليق، فالأرقام لا تكذب (مثل قطنة أبلة نظيفة!).. منها مثلا نسب الالتحاق بالتعليم في جميع مراحله.. الواضح من هذه الأرقام أن نسبة الالتحاق في مرحلة ما بعد الثانوي بالذات هي التي تتناسب بصورة واضحة مع الناتج القومي للفرد لأن ناتج الفرد المتعلم تعليما عاليا يزيد بالتأكيد علي غيره بكثير: في الدول الغنية (الناتج القومي للفرد يزيد علي 30 ألف دولار في السنة)، تتراوح فيها نسبة الالتحاق بين 50 و70٪ بينما نجد أن النسبة في مصر تصل بالكاد حوالي 30 ٪. ليست الدول العربية والأفريقية (والتي لا يزيد الناتج القومي فيها علي 5 آلاف دولار سنويا- عدا الدول البترولية) أفضل حالا بكثير.. الطريف أن الهوة في نسب الالتحاق في التعليم -ما بعد الثانوية العامة- بين مصر والدول الغنية لم تكن بهذا العمق في الفترة من الستينيات إلي أوائل التسعينيات من القرن الماضي (حوالي 20 ٪ في مصر مقابل 37 ٪ في الدول المتقدمة).. ولكن مع ظهور ثورة المعلومات اتسعت الهوة حيث زاد عدد الملتحقين بالتعليم الجامعي في الدول الصناعية بمقدار الضعف في الفترة من 1991 إلي 2004.. وفي هذا أبلغ رد علي كل من يعتقد أننا لسنا بحاجة للتوسع في التعليم الجامعي بحجة أن الخريجين لا يجدون عملا في حالة قيام تنمية حقيقية سنحتاج لأضعاف الخريجين الحاليين. هذا من حيث الكم ولكن ماذا عن الجودة؟ - مؤشر واحد يكفي، حيث يصل عدد الطلاب لكل أستاذ في مصر حوالي 30 (لاحظ أن هناك مواد مختلفة لكل طالب يقوم بها أساتذة مختلفون، مما يعني أن عدد الطلاب في الفصل هو أكثر من ذلك بكثير).. تدور تلك النسبة في الدول المتقدمة حول 10.. المصيبة في الحقيقية في مصر أكبر من ذلك بكثير حيث إن عدد الأساتذة المستخدم في هذه الإحصاءات هو العدد المسجل في الدفاتر ولكن كم منهم يحضر وإذا حضر كم ساعة يمضيها؟ ولكن هل المناهج التعليمية بحاجة لتعديل؟ - لقد لمست بيت القصيد، فالقصة ليست فقط أرقاماً نتداولها للدلالة علي أهمية التعليم والبحث العلمي في عصر المعلومات ومردودهما علي التنمية، ولكن الأهم هو أثر ذلك علي نوع التعليم المطلوب.. ففي عصر الاقتصاد القائم علي المعرفة، لا نحتاج لعمال مفتولي العضلات، ولكننا نحتاج أساسا لبشر قادرين علي الخلق والإبداع وابتكار حلول جديدة للمشاكل باستخدام التكنولوجيات الجديدة (وما أكثرها) في تطبيقات جديدة أو بابتداع تكنولوجيات جديدة.. يفرض ذلك علينا ثورة في أسلوب التعليم.. إذ يجب البعد عن التلقين أو المسائل ذات الإجابات الجاهزة لصالح مسائل مفتوحة تبدأ من مشكلة واقعية ندرس فيها جميع البدائل لحلها.. يتطلب ذلك تنمية الروح النقدية وامتلاك خلفيات عميقة في تخصصات متعددة لأن المشاكل الحقيقية بطبيعتها متشابكة.. كل ذلك يتعارض بصورة جذرية مع ما هو واقع الآن نتيجة للأعداد الكبيرة.. هناك مؤشر آخر له دلالة وهو نسبة الملتحقين في مجالات علمية وتكنولوجية إلي إجمالي الدارسين في مؤسسات ما بعد الثانوية العامة.. تحتاج التنمية المجتمعية ككل لجميع المجالات بالتأكيد: العلوم الإنسانية (الاقتصاد والاجتماع والآداب) وعلوم الحياة (الطب والصيدلة) والتكنولوجيا.. ولكن العلوم والتكنولوجيا تقوم بدور القاطرة في عملية التنمية.. وتتراوح هذه النسبة في دول العالم المتقدم بين 20 و40٪ بينما تنخفض في مصر لتصل إلي 13 ٪ فقط.. وعلي سبيل المقارنة ذات الدلالة العالية تصل هذه النسبة في إسرائيل إلي 45٪.. يا ريت نستوعب الدرس! وهل الوضع فيما يخص البحث العلمي أفضل؟ - كان هذا بالنسبة لدور الجامعة في إعداد الكوادر اللازمة لمواجهة تحديات العولمة، أما بالنسبة للبحث العلمي فحدث ولا حرج! في ظل الاقتصاد القائم علي المعرفة، فإن الإنفاق علي البحث العلمي يعتبر أفضل استثمار ممكن.. في هذا المجال لا أستطيع أن أقارن إمكانات مصر بالخارج كحجم إنفاق عام ولكن المقارنة العادلة ستكون من حيث نسبة حجم الإنفاق علي البحث العلمي إلي إجمالي الناتج القومي.. وفي هذا الصدد فإن المتوسط العالمي يصل 2.3 ٪ ويرتفع في الدول المتقدمة إلي 2.8 ٪.. لاحظ أن ميزانيات الدول المتقدمة الضخمة هي التي رفعت المتوسط العالمي، ولكن نسبة الإنفاق في الدول النامية تدور حول 1٪.. تتذيل القائمة الدول الأفريقية بنسبة إنفاق 0.3 ٪ ولا يتفوق عليها في ضعف الإنفاق سوي الدول العربية بنسبة 0.2 ٪. ما موقف مصر؟ - مصر دولة عربية أفريقية كما تعلم ولذلك فإن النسبة فيها 0.25 ٪ وما النسبة في إسرائيل؟ - 4.5 ٪ ؟ هل يعقل أن تكون مصر في هذا المستوي؟ وهل نستطيع أن ندعي أي ريادة وكل الكلام الجميل ده في ظل هذه الظروف؟ - الطامة الكبري فيما يلي: حوالي 90 ٪ من هذه الميزانية تنفق علي الباب الأول أي الأجور والمرتبات، وياريتها مرتبات بجد! لماذا هذه الصورة القاتمة، ألم تقم الدولة بعدد من البرامج الإصلاحية؟ - الطريق الصحيح للإصلاح يبدأ بالمصارحة وبالاعتراف بالواقع كما هو حتي نعرف مكمن الخطأ ونسعي لإصلاحه.. علي فكرة كل ما قلته معروف تماما لدي الدولة وظهرت نسبة كبيرة منه في دراسات صدرت عن وزارة البحث العلمي وهو أمر أثني عليه أشد الثناء.. وهناك محاولات لتصحيح الأوضاع في الاتجاه الصحيح ولا يمكن أن أنكر هذا.. غاية ما هناك أنني أري أن حجم الجهد المبذول حديثا ما زال أقل بكثير من التوقعات بالنظر للوضع المتردي الذي وصلنا إليه.. في رأيي أن الأمور تحتاج لمعالجة أكثر ثورية مع تغيير كمي ونوعي محسوس في جميع المجالات، بعد أن هجر أغلب القائمون علي البحث العلمي نشاطهم الرئيسي ساعين لكسب الرزق بطرق أخري، أو كما نقول عندنا سلموا النمر. ما الإيجابيات في رأيك؟ - قامت الدولة بإنشاء عدد من صناديق تمويل الأبحاث سواء في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي أو وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات مع محاولة ربط الجامعة بالصناعة من خلال هذا التمويل.. كما قامت الدولة بمحاولات جدية لأجل وضع استراتيجية عامة للبحث العلمي في مصر.. علاوة علي الدراسات القيمة جدا التي قامت بها وزارة البحث العلمي، تم إنشاء مجالس نوعية متخصصة تابعة لأكاديمية البحث العلمي لأجل وضع هذه الاستراتيجية بحيث تصب في النهاية (بعد إدماجها في صورة استراتيجية عامة علي مستوي الأكاديمية) في المجلس الأعلي للعلوم والتكنولوجيا برئاسة السيد رئيس الوزراء.. ولقد شرفت بعضوية المجلس النوعي للعلوم الهندسية.. وبدأنا في العمل لأجل اقتراح الاستراتيجية.. ولقد قدمت ورقة للمجلس حول هذه الاستراتيجية كما قام العديد من الزملاء بتقديم أوراق أخري قيمة جدا، سواء من حيث المحاور البحثية التي تلبي حاجاتنا أو من حيث كيفية تشجيع الباحثين علي المساهمة فيها، ومن المنتظر أن تتم الصياغة النهائية لمجمل المقترحات في خلال شهرين علي الأكثر وأرجو من الصحافة والإعلام الاهتمام بها.. من ضمن إجراءات التشجيع موضع البحث، علي سبيل المثال الاهتمام برفع مهارات الباحثين في إعداد المشاريع البحثية بحيث تزيد حظوظها في الحصول علي التمويل من الهيئات والشركات المحلية والعالمية، وتشجيع الأبحاث التي تشارك فيها جامعات أو مراكز بحثية متعددة، وبالأخص إنشاء مراكز للتميز في عدد من المجالات علي أن يتم توزيعها علي جميع محافظات الجمهورية. اسمح لي أن أقاطعك، سمعنا عن مركز بحثي جديد في جامعة المنصورة هل يمكن أن تحدثنا عنه؟ - بالتأكيد.. جامعة المنصورة كان لها دائما دور رائد في عدد من المجالات أذكر منها علي سبيل المثال لا الحصر الطب وتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات.. علي فكرة، تحتل المنصورة موقعا متقدما جدا مقارنة بمجمل الجامعات المصرية في التصنيف العالمي للجامعات.. فبينما تحتل جامعة القاهرة مركز الصدارة، تحل الجامعة الأمريكية ثانية، وتتبادل المنصورة وعين شمس المركزين الثالث والرابع.. تقدمت منذ بضعة شهور باقتراح للجامعة بشأن إنشاء مركز أبحاث للتقنيات الدقيقة (مايكرو ونانو تكنولوجي) ولقد لاقي هذا الاقتراح استجابة سريعة وحماسًا من كل من رئيس الجامعة د.أحمد شهاب بيومي ونائب رئيس الجامعة للدراسات العليا والبحوث د.السيد عبدالخالق وتم وضع لائحة له وأقرت في مجلس الجامعة منذ أيام وننتظر موافقة المجلس الأعلي للجامعات لأجل بدء العمل فيه.. يتميز هذا المركز بضم عدد من الكليات منها الطب والهندسة والعلوم والصيدلة وغيرها بحيث يشجع الأبحاث في المجالات البينية (أي المجالات التي تشارك فيها عدد من التخصصات المختلفة) وهي سمة العصر.. الطب والإلكترونيات والموائع (أي علم حركة السوائل والغازات) والمواد الذكية كلها تخصصات تدرس في كليات مختلفة ولكنها يمكن أن تتضافر معا لعلاج العديد من الأمراض.. وهناك اتفاقية تعاون قيد التوقيع مع مركز أبحاث نانو تكنولوجي تقيمه شركة إنتل في مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتكنولوجيا بالرياض بالإضافة لمفاوضات مع عدد من المراكز البحثية التي بدأت تنشط في مصر. وما المحاور الأخري في استراتيجية البحث العلمي التي يدرسها مجلس العلوم الهندسية؟ - بالرغم من أن هذه الاستراتيجية لا تزال قيد التنقيح إلا أن المعالم الرئيسية بدأت تتضح.. تنبني الاستراتيجية علي طائفتين من الأهداف وعدد من الوسائل.. الطائفة الأولي من الأهداف تتعلق بتوفير الحاجات الأساسية للفرد وللمجتمع.. يشمل ذلك الطاقة والمياه والغذاء والصحة.. كما يشمل أيضا التعمير والإسكان.. هل تعلم أنه في غضون عام 2050 من المتوقع زيادة عدد المصريين بما مقداره 60 مليون نسمة؟ أين يمكن استضافتهم؟ نحن بحاجة لما يقرب من الثورة في أسلوب البناء والتعمير كي نتمكن من غزو الصحراء.. كما أن علاج المشاكل البيئية ملح جدا من مقاومة التصحر ونحر الشواطئ وانتشار التلوث.. وفي النهاية الحاجة الأساسية التي لا نستطيع الاستغناء عنها هي توفير الأمن القومي.. لقد كان لاستخدام التكنولوجيا المطورة محلي دور حاسم في نصر أكتوبر ويجب دعم ذلك التوجه.. كل ما يخص طائفة الحاجات الأساسية يجب الاهتمام به لأسباب استراتيجية، بغض النظر عن التكلفة المادية لأننا ببساطة لا نستطيع أن نعتمد علي الغير في توفير هذه الاحتياجات. وماذا عن الطائفة الثانية من الأهداف؟ - تتعلق الطائفة الثانية بزيادة الناتج القومي لتحقيق الرخاء.. في عصر العولمة لا تستطيع أي دولة أن تنتج كل شيء وتستغني عن الاستيراد أو التصدير.. بل علي العكس ازدادت التجارة الخارجية في هذا العصر بصورة كبيرة.. وما يعنينا هو أن نركز علي الأنشطة ذات القيمة المضافة العالية.. المقصود بالقيمة المضافة هو الفارق بين ثمن المدخلات (خامات، طاقة....) وثمن المخرجات (سواء كانت منتجات أو خدمات).. لأن ارتفاع القيمة المضافة هو ما يتيح لنا وضعا متميزا في التبادل التجاري.. هناك خلل في الاقتصاد القومي حاليا يتمثل في اعتماده بصورة كبيرة إما علي موارد طبيعية لا يمكن زيادتها بسهولة ولا يمكن التحكم في أسعارها في السوق العالمية (الحاصلات الزراعية، البترول الخام والغاز، الألومنيوم، الرخام....) أو علي منتجات مصنعة بتكنولوجيا تقليدية ينافسنا فيها الكثيرون ولا تعطي بالتالي قيمة مضافة عالية.. طبقا لإحصائيات البنك الدولي، فإن توزيع القيمة المضافة علي المجالات المختلفة في العالم هي 3 ٪ للزراعة، 28 ٪ للصناعة و69٪ للخدمات، بينما هي في مصر 15 ٪ للزراعة، 35 ٪ للصناعة و50٪ للخدمات. إن حالة دول مثل كوريا الجنوبية والصين والهند -طبقا لدراسة من البنك الدولي- توضح بجلاء اختيارات تلك الاقتصاديات الناجحة.. فلقد انخفضت مساهمة الصناعات ذات التكنولوجيا التقليدية في كوريا الجنوبية من 28 ٪ في أوائل التسعينيات إلي 4 ٪ في 2005، بينما ارتفعت مساهمة الصناعات ذات التكنولوجيا المتقدمة في نفس الفترة من 18 ٪ إلي 42 ٪. ولذلك تطالب الدراسة بضرورة الاهتمام بالصناعات الكيماوية والدوائية والإلكترونيات بالإضافة لخدمات المعلوماتية مع استخدام التكنولوجيات الحديثة لرفع كفاءة الصناعات التقليدية. وما الوسائل؟ - يري المجلس ضرورة التوسع في استيعاب واستخدام وتطوير عدد من التكنولوجيات الحديثة مثل تكنولوجيا النانو وتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات والتكنولوجيا الحيوية وتكنولوجيا الفضاء والاستشعار عن بعد. كيف تري مستقبل التعليم في مصر والوسائل المطلوبة لدعمه؟ - حجم الإنفاق العام علي التعليم بجميع مراحله يقع في أغلب الدول المتقدمة بين 1500 و2000 دولار للفرد في السنة، بينما ينخفض في الدول النامية ومنها مصر إلي ما بين 300 و600 دولار للفرد.. ولقد أثبتت دراسة قمت بها لصالح اليونسكو أن هناك ارتباطًا وثيقًا بين نمو الناتج القومي وبين حجم الإنفاق العام علي التعليم لكل فرد، بينما أظهرت الدراسة عدم وجود ارتباط مع حجم الإنفاق إذا ما عرف كنسبة من الدخل القومي.. يعني هذا أن هناك تكلفة معينة لكل مواطن تعتبر الحد الأدني للحصول علي تعليم جيد.. لا تستطيع أغلب الدول النامية توفيرها مما يبقيها علي ما هي عليه، بل يزيدها فقرا.. هناك إذن قرار سياسي يجب أن يؤخذ علي أعلي المستويات لأجل توفير المبالغ المطلوبة باعتبارها هدفا استراتيجيا يمكن له وحده أن يحقق جميع أهدافنا الأخري.. هذا هو الدرس المستفاد من تجربة ماليزيا الناجحة. ولكن كيف يمكن توفير الإمكانيات المطلوبة؟ - هناك عوامل مساعدة أبرزها استخدام تكنولوجيات التعليم الحديث وأبرزها التعلم الإلكتروني.. أقول التعلم وليس التعليم.. فالتعلم عملية إيجابية من الدارس لأجل التعلم بنفسه بعيدا عن التلقين.. إن المزاوجة بين التكنولوجيا من جهة مع ضمان حد أدني من التفاعلية من جهة أخري بين المعلم والمتعلم وكذا بين المتعلمين معا (كل ذلك عبر الإنترنت) يحقق أفضل وسيلة للتعلم من حيث الجودة، فضلا عن كونه أقل كلفة.. نحتاج لتحقيق ذلك إلي وجود هيكل اتصالات علي مستوي الجمهورية وهو بلا شك إنجاز كبير قامت به الدولة حديثا رفعت به مؤشر الجاهزية الحاسوبية لمصر لدرجات جيدة عالميا.. كما نحتاج أيضا لتوفير حواسب لدي الجمهور وهو ما تحقق جزئيا من خلال مبادرة الوزارة المسماة حاسب لكل مواطن، وكل ما هو مطلوب هو دعمها وتطويرها.. نحتاج أيضًا لأساتذة مدربين وهو ما سعت الدولة لتحقيقه بقدر ما من النجاح ولكن المطلوب التوسع في ذلك بصورة كبيرة.. نحتاج أخيرا لمواد تعليمية في صورة إلكترونية وهو عائق كبير من حيث حجم الجهد والوقت الضروريين لإنتاج مواد مناسبة.. في هذا الصدد ظهرت مؤخرًا حركة المصادر التعليمية المفتوحة.. لقد شرفت بعضوية المجموعة التي أعلنت ميلاد تلك الحركة في اليونسكو في 2002 وفي قيادة أول مشروع لها.. تتبني تلك الحركة نظرية أستاذنا الكبير الأستاذ طه حسين من حيث كون التعليم كالماء والهواء، يجب أن يكون متاحا للجميع.. وتسعي لتوفير موارد تعليمية (محاضرات- تمارين- مشاريع- أنشطة تعليمية متنوعة) مفتوحة علي الشبكة الدولية للإنترنت، وذلك بجميع لغات العالم.. المقصود بمفتوحة أن يتسني لأي أستاذ أو دارس أن يستخدم تلك الموارد دون استئذان مصدرها وأن يطورها كما يتراءي له من حيث أهدافه التعليمية بل وأن يعيد نشر ما طوره دون أي قيد سوي ذكر المصدر الأولي، كل ذلك مجانا. قامت الدولة أيضا بإنشاء أول جامعة مصرية للتعلم الإلكتروني وقد شرفت بعضوية لجنتها التحضيرية تحت إشراف أستاذنا الفاضل حسين أنيس والذي كرم في عيد العلم هذا العام تكريما مستحقا. نعم هناك وعي متزايد من قبل الدولة والمواطنين بأهمية التعليم والبحث العلمي وهناك أيضًا خطوات إيجابية ولكن المطلوب ثورة وليس ترميمًا. CV حاصل علي بكالوريوس الهندسة الميكانيكية من جامعة عين شمس بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف، وترتيب الأول علي الدفعة. حاصل علي دكتوراه الدولة في العلوم من فرنسا. أستاذ بهندسة المنصورة ومؤسس وحدة تحديث الصناعة. مؤسس كلية الهندسة بالجامعة الفرنسية ومؤسس مركز الأبحاث والتطوير ومركز التعليم المستمر والتعلم عن بعد بها. عمل مديرا لقطاع النمذجة لجميع فروع شركة برمجيات متعددة الجنسيات لتصميم الدوائر الإلكترونية. رئيس المؤتمر الدولي للتأثيرات الحرارية في التكنولوجيات المتقدمة. حاصل علي جائزة هارفي روستن العالمية للتميز في مجال التأثيرات الحرارية في الدوائر الإلكترونية. أحد مؤسسي الحركة العالمية للمصادر التعليمية المفتوحة تحت رعاية اليونسكو ومدير أول مشروع لهذه الحركة. عمل مستشاراً لوزارة التعليم العالي ونائبا لمدير لجنة إعداد دراسات الجامعة المصرية للتعلم الإلكترونية.
غداً : د. محمد أبو الغار: زويل لا يصلح وزيراً للتعليم العالي.. وأقسام التميز تفرخ إرهابيين