انطلاق حفل تكريم الفائزين في مسابقة ثقافة بلادي 2    شراكة استراتيجية بين جامعة بنها ومؤسسة أخبار اليوم لتأهيل جيل جديد من الإعلاميين    أكبر معرض زراعي بالشرق الأوسط.. انطلاق الدورة ال37 من صحارى 2025 في سبتمبر المقبل    محافظ بني سويف يفتتح موسم جني محصول القطن    محافظ المنوفية يترأس مجلس إدارة المنطقة الصناعية ويؤكد دعمه للاستثمار    الخارجية الإيرانية: الاحتلال الإسرائيلي يشكل تهديدا وجوديا لأمن واستقرار المنطقة    فاركو يختتم استعداداته لمواجهة الطلائع في الدوري    الصحة: إغلاق مركز غير مرخص لعلاج الإدمان في الشرقية    ضبط أصدقاء السوء بعدما تخلصوا من جثمان صديقهم بالعاشر    للكبد والكلى.. 907 موافقات من «الصحة» لزراعة الأعضاء خلال 2025    فقدان أجهزة كهربائية.. محافظ سوهاج يُحيل مخالفات المجمع الزراعي ببرديس للتحقيق    تعويضات بالملايين.. نزع ملكية بعض العقارات بمحافظة القاهرة لهذا السبب    إجراءات حاسمة من «التعليم» بشأن العقاب البدني وغياب الطلاب في العام الدراسي الجديد    أستراليا تلغي تأشيرة عضو بالكنيست وتمنعه من دخول أراضيها    رئيس الوزراء يشارك في قمة «تيكاد 9» باليابان    تنسيق الجامعات 2025.. اليوم إغلاق باب التسجيل لطلاب مدارس النيل والمتفوقين    سبورت: بافار معروض على برشلونة.. وسقف الرواتب عائقا    تمكين الشباب.. رئيس جامعة بنها يشهد فعاليات المبادرة الرئاسية «كن مستعدا»    الرقابة المالية: 3.5 مليون مستفيد من تمويل المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر حتى يونيو 2025    مواعيد انطلاق القطارات من بنها إلى الإسكندرية الاثنين 18 أغسطس    «ثقافة بلادي».. جسر للتواصل والتنوع بين طلاب الأزهر والوافدين    تووليت وكايروكي يحيون ختام مهرجان العلمين الجديدة (أسعار التذاكر والشروط)    تعرف على الفيلم الأضعف في شباك تذاكر السينما الأحد (تفاصيل)    جولة غنائية عالمية.. هيفاء وهبي تستعد لطرح ألبومها الجديد    هل المولد النبوي الشريف عطلة رسمية في السعودية؟    البحوث الفلكية : غرة شهر ربيع الأول 1447ه فلكياً الأحد 24 أغسطس    إصلاحات شاملة لطريق مصر - أسوان الزراعي الشرقي في إسنا    هل يتم تعديل مواعيد العمل الرسمية من 5 فجرًا إلى 12 ظهرًا ؟.. اقتراح جديد في البرلمان    تحذير رسمي.. عبوات «مجهولة» من «Mounjaro 30» للتخسيس تهدد صحة المستهلكين (تفاصيل)    "العدل": على دول العالم دعم الموقف المصري الرافض لتهجير الفلسطينيين من أرضهم    الليلة.. عروض فنية متنوعة ضمن ملتقى السمسمية بالإسماعيلية    أكرم القصاص: مصر قدمت 70% من المساعدات لغزة وقادرة على تقديم المزيد    نسف للمنازل وقصف إسرائيلي لا يتوقف لليوم الثامن على حي الزيتون    الصحة العالمية تقدم أهم النصائح لحمايتك والاحتفاظ ببرودة جسمك في الحر    "كان بيطفي النار".. إصابة شاب في حريق شقة سكنية بسوهاج (صور)    الشيخ خالد الجندي: مخالفة قواعد المرور معصية شرعًا و"العمامة" شرف الأمة    بالصور- محافظ المنيا يتفقد الأعمال الإنشائية بمدرسة الجبرتي للتعليم الأساسي    "قصص متفوتكش".. 3 رصاصات تنهي حياة لاعبة سموحة.. وتحرك عاجل لبيراميدز    الفنانة مي عز الدين تخطف الأنظار فى أحدث ظهور من إجازتها الصيفية    بعثة يد الزمالك تطير إلى رومانيا لخوض معسكر الإعداد للموسم الجديد    اليوم.. الأهلي يتسلم الدفعة الأولى من قيمة صفقة وسام أبو علي    الديهي يكشف تفاصيل اختراقه ل"جروب الإخوان السري" فيديو    المكتب الإعلامي الحكومي بغزة: دخول 266 شاحنة مساعدات منذ الجمعة والاحتلال سهل سرقة معظمها    رضا عبدالعال: خوان ألفينا سيعوض زيزو في الزمالك.. وبنتايج مستواه ضعيف    أيمن الرمادي ينتقد دونجا ويطالب بإبعاده عن التشكيل الأساسي للزمالك    ضبط أطراف مشاجرة بالسلاح الأبيض في المقطم بسبب خلافات الجيرة    في يومها الثالث.. انتظام امتحانات الدور الثانى للثانوية العامة بالغربية    أسعار البيض اليوم الإثنين 18 أغسطس في عدد من المزارع المحلية    وفاة شاب صدمته سيارة مسرعة بطريق القاهرة – الفيوم    «متحدث الصحة» ينفي سرقة الأعضاء: «مجرد أساطير بلا أساس علمي»    مدرب نانت: مصطفى محمد يستحق اللعب بجدارة    انطلاق امتحانات الدور الثاني للشهادة الثانوية الأزهرية بشمال سيناء (صور)    إسرائيل تقر خطة احتلال مدينة غزة وتعرضها على وزير الدفاع غدا    وزارة التعليم: قبول تحويل الطلاب من المعاهد الأزهرية بشرط مناظرة السن    قوة إسرائيلية تفجر منزلا فى ميس الجبل جنوب لبنان    أسفار الحج 13.. من أضاء المسجد النبوى "مصرى"    سامح حسين يعلن وفاة نجل شقيقه عن عمر 4 سنوات    مواجهة مع شخص متعالي.. حظ برج القوس اليوم 18 أغسطس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. فاروق الباز ل "عماد الدين أديب":
نشر في نهضة مصر يوم 06 - 05 - 2004


لماذا يتقدم الغرب ولماذا يتخلف العرب؟
سؤال يطرح نفسه دائما لتكون الإجابة في كلمة واحدة "العلم".
وعندما نسأل لماذا يتقدم المواطن العربي في الخارج ولا يفعل الشيء نفسه بالداخل، فإن الإجابة تضع أيدينا علي مناطق الخلل في مجتمعاتنا.
وفي حوار عماد الدين أديب مع العالم المصري فاروق الباز في برنامج علي الهواء، الذي تقدمه شبكة أوربت، كشف لنا أسرار نجاح فاروق الباز في أمريكا وأسرار نجاح الهند واليابان وكوريا في إحداث نهضة علمية متقدمة.. بينما نحن مازلنا في المؤخرة.
د. فاروق الباز جاء مؤخرا لكي يتلقي دكتوراه فخرية من جامعة المنصورة تكريما له علي دوره في خدمة البشرية، وهو صاحب الدعوة إلي إطلاق شعلة التفكير العلمي والإصلاح العلمي والتعليمي، بدءا من المراحل الأولي من 3 8 سنوات وحتي الجامعة، مع التركيز علي أهمية تعلم الطريقة العلمية في التفكير حتي يتيح للأطفال إطلاق العنان لخيالهم وإبداعهم. وهو ينادي دائما بأهمية تعلم وسائل التعليم الذاتي والبحث العلمي وتوفير التمويل اللازم للأبحاث العلمية عن طريق القطاع الخاص أسوة بما يحدث داخل الولايات المتحدة الأمريكية نفسها، والتي يقول عنها د. الباز إنها إذا ما أنفقت الحكومة دولارا واحدا علي البحث العلمي، فإن القطاع الخاص ينفق دولارين.
أولا ما شعورك بهذا التكريم من جامعة المنصورة؟
بالتأكيد أنا سعيد جدا بهذا التكريم، لأنه يأتي من زملاء لي علماء يقدرون ما قدمت ويفهمونه جيدا، ثم إنه يأتي بين أبناء بلدتي والتكريم بين الأهل تكون له قيمة خاصة عند الإنسان.
ما شعورك وأنت تري الشباب وقد تجمع حولك بهذه الصورة وعن أي شيء سألك هؤلاء الشباب؟
بالتأكيد أكثر ما يسعدني أن أترك أثرا لدي هؤلاء الشباب وأن أغرس لدي بعض منهم قيمة الصبر والمثابرة علي العمل والتي وصلت بي إلي هذه المكانة، وقد سألني بعضهم عن الجوائز التي حصلت عليها.. لكني قلت لهم لن أحكي لكم عن الجوائز، لكني سوف أحدثكم عن أهمية المثابرة في العمل، فقد كنت أثابر علي عملي وأظل أحاول وأجرب وأكرر التجربة لأصل إلي نتائج جيدة، وهذا هو ما وصل بي إلي هذه المكانة، وأتمني أن يترك كلامي أثرا داخلهم، لأن هؤلاء الشباب هم المسئولون عن المستقبل.
أنت تعيش في الولايات المتحدة وتعمل في وكالة لأبحاث الفضاء، ثم تأتي لزيارة العالم العربي.. فهل تشعر أنك تنتقل بين عالمين مختلفين؟
لا شك أن هناك هوة كبيرة بين العالم العربي والعالم الغربي، فنحن مبتعدون عن عصر العلم بما يقرب من 50 عاما.
هناك سلبيات كبيرة لكن أيضا هناك إيجابيات كثيرة، فهناك أماكن في مصر علي أعلي مستوي من التقدم، ولابد من أن تحدد مواطن التخلف وما يجب أن تفعله للإصلاح، وهناك مؤشرات تدل علي أننا قادرون علي النجاح، فلدينا مثلا في جامعة المنصورة كلية طب تباهي كليات الطب في بوسطن وهارفارد.. إذن تستطيع التغلب علي السلبيات والوصول إلي النجاح لذلك فلا يجب أن نفقد الأمل.
التفكير العلمي وتجربة الهند
لاحظت خلال استضافتي لعدد من العلماء، أن العالم يضع مشروعا أو قضية محددة في بؤرة اهتمامه ويركز جهده الكامل في إنجاحه ويعزل العناصر الأخري التي يمكن أن تؤثر علي هذا المشروع من الخارج، فيصنع ما يشبه الجزيرة المنعزلة.
ونجد دولة غارقة في الفقر مثل الهند أو الصين استطاعت رغم وجود المجاعات وتفشي الأمراض أن تصنع قنبلة نووية، وتصعد إلي الفضاء وتتقدم في الصناعات التكنولوجية.
ما تفسيرك لهذا.. وهل كان عليهم أن يحلوا مشكلات الفقر أولا أم أنهم اتخذوا الطريق الصحيح؟
فكر العلماء دائما ينصب علي قضية واحدة للوصول إلي أفضل النتائج.. فالعالم غالبا ما يقوم بعمل تجربة محددة ويحاول أن يضمن لها النجاح ويعزلها عن العناصر الأخري المؤثرة.
والحقيقة أنك تستطيع أن تصنع لنفسك جزيرة وتعزلها عما حولها، وتنجح هذه الجزيرة في تحقيق الهدف منها، وهذا ما حدث في الهند منذ 30 عاما، فقد بحثوا عن أكثر التكنولوجيات تقدما ووقتها كانت تكنولوجيا الفضاء هي المستقبل فجاءوا إلي وطلبوا مني أن أضع معهم برنامجا يجعلهم بعد 15 عاما يطلقون قمرا صناعيا إلي الفضاء، وبالفعل صنعوا جذرا لتكنولوجيا الفضاء وأقاموا فيها مدارس متخصصة جدا ومتقدمة جدا جدا. ورغم انتشار المجاعات والأوبئة إلا أنهم حاولوا التركيز في صناعة مشروع فضائي مع الاهتمام بالقضايا الأخري بشكل عام.. أقاموا ثلاثة أو أربعة مراكز متطورة للغاية، كنت أثناء زيارة أي منها تشعر وكأنك في أفضل الأماكن بالولايات المتحدة الأمريكية.
وكان إتقانهم للعمل رائعا.. حتي وصلوا إلي ما وصلوا إليه من تفوق في مجال البرمجيات.
وربما يقول شخص ماذا قدم لهم القمر الصناعي الذي أطلقوه وانفقوا عليه كل هذه الأموال الطائلة، لكن الإجابة هي أنهم أرادوا عمل جرد للأراضي الصالحة للزراعة، وأماكن توافر المياه ودراسة المناخ ومتابعة التغيرات التي تحدث أثناء زراعة بعض المحاصيل، وعندما يكون لديه قمره الصناعي يستطيع أن يوجهه لخدمة بلده مباشرة ودراسة ما يريد في الوقت والمكان الملائم، وبالفعل توافرت لهم المعلومات التي جعلتهم يزرعون أراضيهم بشكل صحيح، وبعد 15 سنة فقط انتهت تماما المجاعات، والنتيجة إنشاء هذه المراكز التكنولوجية المتخصصة، أصبح لديهم متخصصون أكفاء في صناعة البرمجيات وأصبحت الشركات في أمريكا وكندا تحصل علي 6.7 بليون برمجيات كمبيوتر من الهند، ونقلت شركة ميكروسوفت العالمية جزءا كبيرا من نشاطها إلي الهند للاستفادة من ميزة ارتفاع الكفاءة وانخفاض الأجر بالنسبة للهنود.
وعندما وجدوا أن عددا كبيرا جدا من الشباب تعلم التكنولوجيا والمعلومات وبدأت الولايات المتحدة تستفيد من العمالة الهندية داخل الهند في مجالات كثيرة مثل التأمين والضرائب وغيرهما. وأصبح الشباب في الهند يقولون نحن أكفأ من الأمريكان وإلا لماذا لجأوا إلينا؟!
ما الذي يميز العقل العلمي عن العقل غير العلمي؟
العقل العلمي ينظر في خصائص الأمور ويحاول تفسيرها ومعرفة تفاعلاتها المختلفة، ثم يراجع نفسه ويعيد تصحيح مساره إذا لزم الأمر.
فمثلا إذا رأيت مياها في منطقة أضع عدة تساؤلات عن طبيعتها، وكيف وصلت إلي هنا وتأثيرها علي المنطقة المحيطة بها، ثم أعيد مراجعة ما وصلت إليه، وأقارن ربما أخطأت في تفسير جزء معين منها أو أتأكد من صحة ما وصلت إليه.
إذن العقل العلمي لا يعرف التعصب ولا الفكرة المطلقة ولا التفكير الأحادي النظرة، لكنه يعتمد علي التجريب.
تماما.. المسيرة العلمية تجريبية فقط دون التزام سابق، وكما قلت أنت العلم لا يعرف الانحياز.
إذن هناك فرق بين فكر السياسي الذي يصنع النظرية أولا، ثم يحاول تطويع كل شيء للوصول إلي ما يريد، في حين أن العالم يبدأ بالتجريب أولا، ثم يصل إلي النظرية.
الطريقة العلمية هي الأصح لأنها تقوم علي التجريب لا يضع العالم نتائج قبل بدء التجربة.
الإصلاح
البعض يتحدث عن الإصلاح لكنه لا يتنبه إلي أهمية إصلاح البحث العلمي وتوفير الميزانيات اللازمة له.
يوجد في العالم العربي كله بما فيه مصر خلل عام في الفكر، لأننا جميعا شعوبا وحكومات نسير ولا نعرف إلي أين نذهب، لا يوجد فكر مسبق مستقبلي محدد، مثلا هذا النوع من التعليم إلي أين يصل بنا أو الخطط إلي أين تصل بنا لكننا نسير وكلما صادفتنا مشكلة نحلها ونستمر، ولابد من معرفة مكان الخلل أولا. ولا يمكن أن يحدث إصلاح في كل شيء في نفس الوقت لابد من الاعتراف بالخيبة الموجودة أولا، وتحديد مواطن الخلل والتي هي بالنسبة للبحث العلمي عدم وجود ميزانيات، لأننا لدينا علماء ممتازون ومدربون ومهيأون لأن يصنعوا طفرة في البحث العلمي، لكن أيديهم مغلولة بسبب عدم وجود ميزانيات توفر لهم إمكانات البحث العلمي الذي يؤدي إلي التطوير ولا يسهم القطاع الخاص في حين أنه في أمريكا إذا دفعت الحكومة دولارا للبحث العلمي، فإن القطاع الخاص يدفع دولارين. وأتحدث إلي بعض رجال القطاع الخاص وأطلب منهم تمويل البحث العلمي في مصر، لكنهم يعتقدون أنه لا فائدة تعود عليهم من تمويل البحث العلمي.
لدينا الآن بعض العلماء العاكفين علي بحث علمي يطور الأنسولين، بحيث يتحول إلي أقراص بدلا من تعاطيه بالحقن.. لكن القطاع الخاص لا يقدم لهم العون المادي ولا يدرك أن تمويله لهذا البحث يعني حصوله علي أرباح طائلة في النهاية عندما تشتري منه شركات الأدوية حق إنتاج هذه الأقراص؟!
يجب أن يدرك القطاع الخاص العربي أن تمويل الأبحاث التطبيقية بالضرورة سوف يؤدي إلي قفزة مالية كبري.
إلي أي حد يجب أن نتبني الدعوة إلي الإصلاح العلمي، وهل نستطيع تحقيق نتائج إيجابية وتحقيق طفرة في مجالات تعليم العلوم والرياضيات حتي تواكب الثورة التكنولوجية في القرن الحادي والعشرين؟!
العالم العربي علي مدي فترة طويلة جدا لم يكن يعترف أن هناك خللا وقصورا، لكن الآن هناك إجماع علي أن هناك خللا وهناك أهمية للإصلاح، ولا يجب أن نقول إننا فشلنا وأننا محبطون، لابد من وجود همة لدي الشباب ورغبة في الإصلاح، وإذا كان جيلنا فشل في عمل الوحدة العربية التي كنا نحلم بها، فعلي الشباب أن يواصلوا بذل الجهد من أجل الإصلاح علي كل الأصعدة، فالحكومات لها أولويات ربما تركز أكثر علي حل الأزمات الاقتصادية، لكننا جميعا يجب أن يكون لنا إسهامنا في الإصلاح، والإصلاح لا يبدأ في مرحلة واحدة، فهناك عدة مراحل أولها إصلاح التعليم في المراحل الأولي من 3 8 سنوات، يجب أن نعلم الأطفال وندعمهم معرفيا من خلال تعليمهم كيفية التعلم الذاتي واستخدام الطريقة العلمية. لابد من دعم جوائز الموهوبين لأنها تشجع علي تفجير الطاقات العلمية.
لابد أن ننتبه إلي أن الطفل العربي عندما يسأل عن شيء يقول له الكبار "بلاش وجع دماغ"، فيتوقف عن طرح الأسئلة ويتوقف عن التفكير.
أما في الغرب فعندما يسأل يقدمون له فيلما أو كتابا يبحث فيه عن إجابة لأسئلته، وفي أمريكا أكثر الدعوات التي توجه لي لإلقاء محاضرات أو عمل زيارات تكون للمراحل الأولي من التعليم المرحلة من (3 8) سنوات، ويسألني الأطفال عن القمر وسفن الفضاء، ويقول أحدهم أنا سوف أذهب للقمر ويقول آخر أنا سوف أذهب للمريخ، لا حدود للأحلام ولا للخيال.
تجربتي من الأرض إلي الفضاء
إذن إطلاق العنان للخيال يؤدي إلي التفوق، هل كان لهذا المبدأ أثره في حياتك؟
بالتأكيد فنحن في أسرتنا مجتمعنا لم يكن منا من يعتقد أن هناك أفقا معينا أو سقفا لأحلامه. وأنا في دراساتي تخصصت في الجيولوجيا ولم أكن أعرف كلمة واحدة عن القمر مطلقا وحصلت علي الوظيفة في وكالة الفضاء باعتباري جيولوجيا، لكنني تعلمت كيف أعلم نفسي.
سألت نفسي ماذا يريد هؤلاء في وكالة الفضاء من جيولوجي، مؤكد أنهم يريدون شيئا يتعلق بالفضاء وأخذت صور صخور القمر وبقيت لمدة أربعة أشهر كاملة أدرسها بمفردي دون أن أتحدث إلي شخص، حفظتها جيدا 4312 صورة ودونت ملاحظاتي في ورقة صغيرة، وسألت نفسي مرة أخري ماذا يريدون من هذه الصور، لابد أنهم يريدون تحديد مواقع مثيرة يمكن الحصول منها علي عينات من صخور القمر.. وسألت نفسي أين يمكن الهبوط علي سطح القمر لأخذ عينات صخرية؟!
ووجدت أن هناك 16 موقعا، إذا درسناها تكون قد درسنا جميع أجزاء سطح القمر ومن هنا حددت المواقع التي يمكن أن ينزل عليها رواد الفضاء فوق سطح القمر، فحصلت علي تقدير كبير.. وتوقع الجميع أنني درست علوم الفلك، وكانوا يفاجئون بأنني تخصصت في دراسة الرصاص والزنك في ميدتروري لكنني استطعت أن أتخصص مرة أخري في جيولوجيا القمر.
هكذا يجب أن يعلم الإنسان نفسه ويطور من معلوماته وقدراته.
الهبوط علي القمر
البعض يردد أنه لم يحدث هبوط فعلي علي سطح القمر، والبعض الآخر يسأل لماذا هذا الولع الأمريكي بدراسة الفضاء وهذه الميزانيات الضخمة التي تنفق في هذا المجال؟
طبعا الحديث عن عدم الهبوط علي سطح القمر تخريف، لأنه حدث هبوط فعلي علي 6 مواقع، وجاء العلماء ب 841 رطلا من الصخور القمرية كعينات وقمنا بدراستها وعرفنا ما الفرق بين صخور القمر وصخور الأرض.
أما لماذا الإنفاق علي بحوث الفضاء، فهذا الأمر له أبعاد كثيرة جدا.. لم يكن الهدف من برنامج الفضاء الأمريكي الحصول علي بعض صخور القمر، لكن الهدف كان ذهاب الإنسان للقمر وعودته سالما، ونحن جيولوجو "ناسا" لدينا 126 برنامجا علميا في 126 جامعة، كنا نتفق معهم علي الأبحاث ونوفر لهم التمويل، ولدينا مكتب في "ناسا" يتلقي ملخصات تلك الأبحاث التي تنفق عليها "ناسا".
ولك أن تعرف أن التيفال الذي يغطي أواني الطهي في البيت أحد نتائج تلك الأبحاث التي أجريت. والنوافذ والأشياء غير القابلة للاحتراق إحدي نتائج الأبحاث التي أجريت لتصنيع ملابس لا تحترق لرواد الفضاء. والفاكس الذي يستخدم الآن بكثرة إحدي نتائج تلك الأبحاث أيضا، فقد كان وسيلة لتناول المعلومات وكان في البداية كبير الحجم جدا، ويستغرق عشر دقائق لنقل ورقة واحدة تخرج غير واضحة المعالم تماما.
هذا الكلام المسموع عبر الأقمار الصناعية جاء نتيجة رحلة أبولو لأننا بحثنا عن وسيلة للحديث مع العلماء في الفضاء وكانت الأقمار الصناعية هي الحل والتي استخدمت بعد ذلك في الإعلام.
بالإضافة إلي أن مشروع أبولو في نظري كان السبب الحقيقي وراء شعور العالم بالتفوق الأمريكي، والذي أدي إلي انهيار الاتحاد السوفييتي.
في رأيك كيف استطاعت كل من اليابان وكوريا أن تصل إلي هذه الدرجة من التفوق العلمي والتي وصلت في اليابان إلي حد التفوق في بعض المجالات علي الولايات المتحدة الأمريكية ذاتها؟
في اليابان وفي كوريا عرفوا أنهم متأخرون ومتخلفون ووصلوا إلي حقيقة أن أساليب التعليم هي السبب وراء هذا التأخر يعني في البداية شخصوا المرض ثم بحثوا عن سببه، وبعد ذلك قرروا تسخير جميع إمكاناتهم المادية لتطوير التعليم العام.. كل أموالهم سخرت من أجل النهوض بالتعليم وتركوا المرافق والجوانب الأخري دون إنفاق.
خلال 7 سنوات استطاعت كوريا الوصول إلي مستوي التعليم في أمريكا، وخلال 12 عاما وصلت اليابان إلي المستوي الأمريكي في التعليم، ونحن نحتاج لأن نفعل هذا حتي نصل إلي هذا المستوي من التقدم.. لابد من عمل ثورة في النظام التعليمي وتخصيص جميع الموارد اللازمة للإنفاق علي العملية التعليمية من بدايتها حتي نستطيع أن نواكب ركب التقدم العالمي في القرن الحادي والعشرين.
في مصر مؤسسات علمية كثيرة تتوافر لها البنية التحتية في حين لا يتوافر لها الدعم المالي الكافي للإنفاق علي البحوث العلمية كيف يمكن التغلب علي هذه المشكلة؟
فعلا في مصر أماكن كثيرة يمكن أن تعطي نتائج أفضل إذا توافر لها الدعم المالي، وأنا تحدثت مع د. مفيد شهاب وبذل جهودا مضنية حتي استطاع مضاعفة ميزانية البحث العلمي، لكننا نحتاج إلي مضاعفة الميزانية الحالية مرتين حتي يمكن إجراء أبحاث جيدة داخل تلك المراكز البحثية، ثم إن هناك أشياء أخري بعضها يعد عائقا أمام البحث العلمي، ومنها البيروقراطية التي تجعل المسئول أحيانا ما يخشي اتخاذ قرار معين، لأن يغضب الرئيس مثلا فيضع لنفسه قيودا والآخر يضع قيودا وحتي داخل الأسرة نجد الابن يخشي أن يفعل كذا، لأن يغضب والده فيضع لنفسه قيودا، ونحن لابد أن نحطم معظم هذه القيود ونحاول إطلاق العنان لقدراتنا والبحث عن وسائل غير تقليدية للإنفاق علي البحث العلمي.. فيستطيع الباحث أن يخاطب القطاع الخاص بأنه سيجري بحثا في مجال كذا ويطلب من القطاع الخاص الإنفاق علي هذا البحث، ويقنع القطاع الخاص بهذا.. وليكن مثلا بحثا تطبيقيا يتعلق بمنتج معين، بحيث يجد القطاع الخاص أن نتيجة البحث سوف تعود عليه بالفائدة في تطوير المنتج الذي يقدمه، وبالتالي يحصل علي ربح مناسب من تمويله للبحث العلمي.
هناك نظرة للقطاع الخاص بأنه لا يجب أن يكون له علاقة بالقطاع الحكومي خشية أن يستغل إمكانات القطاع الحكومي لتحقيق مكاسب خاصة؟
كما قلت لابد من فكر جديد يحطم القيود الفكرية التي تعوق انطلاق الإبداع. وليكسب القطاع الخاص كما يشاء وكلما كسب سوف يدفع ضرائب أكثر وسوف يقدم بالضرورة فوائد أكثر للمجتمع.
الصحراء الغربية
الصحراء الغربية.. هل توجد بها فعلا خزانات للمياه تصلح للزراعة وهل توضح الأقمار الصناعية كمية هذه المياه وأعماقها؟
بالنسبة للصحراء الغربية هناك فعلا خزانات مياه تحت سطح الأرض ومعروف أن الأماكن التي بها رمال تحتها خزانات مياه حتي أن هذه الرمال جاءت نتيجة سريان المياه، لكن تغير المناخ أدي إلي جفاف الرمال وتحولها إلي كثبان رملية.. والصور الفضائية لا توضح عمق الماء ولا كميته، لكنها توضح أماكن وجود هذه المياه ومن خلال حفر الآبار يمكن أن يكشف عن عمق هذه المياه وكميتها، وإذا وجدنا أنها تكفي مثلا لزراعة الأرض لمدة 100 أو 200 سنة من خلال الاستخدام الأمثل، فعلينا أن نستخدمها في الزراعة ونستفيد بالأراضي الموجودة هناك علي مدي هذه الفترة الزمنية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.