إذا عرف السبب.. بطل العجب كنا نعرف هذا المثل وكلنا حكام ومحكومون لا يعجبنا العجب ولا الصيام في رجب وهو أمر محمود! فهو يجعل الإنسان يفكر في هذا العجب الذي لا يعجبه، كي يغيره. والحاجة أم الاختراع. لكنها ليست وحدها سبب الاختراع خذ عندك مثلاً نيوتن عندما سأل نفسه (لماذا) سقطت الثمرة من الشجرة؟ فلم يكن سقوطها يضايق الناس بل يوفر عليهم الحاجة لتسلق الشجرة لقطفها. ومع ذلك سأل بدون حاجة عن (السبب)، وعندما عرفه مهد الطريق لتغيير عالم الإنسان، فطار في الفضاء وتحدي الجاذبية التي كانت هي السبب. طبعاً سيدلك عن سبب ما نحن فيه، المفكرون وكبار الكتاب ومن نسميهم بالنخبة وتعرفه من صغار الصحفيين والمدونين والمتظاهرين والمعتصمين من الطلبة والموظفين والعاطلين والعمال والفلاحين والفئات الأخري، كل منا يدلي بدلوه ويقترح الطرق لتغيير ما نعيشه من عجب. هذا الإجماع قد يعني الانهيار كما زعم كل المعارضين. وقد يعني العكس كما يدعي البهوات والمسئولون، أي يبشر بنهضة وشيكة ستجعلنا نلحق بركب الأمم العظيمة! لكننا رغم إجماعنا علي أننا نعيش العجب فنحن لا نتفق علي السبب. فنصرخ ونطالب ونقترح بدون أن نستخدم سؤال لماذا أولاً فنعرف ثم نفكر ونستغل معرفتنا في حل مشاكلنا. طبعًا الأسئلة موجودة في كل وسائل الإعلام، والإجابات مكررة من المحكومين والحكام. مع أنه لا يوجد بيننا مثل نيوتن. ثم أن مشكلتنا علي العكس وهي لماذا لا تسقط الثمرة عندنا لنأكلها فنسد جوعنا؟! ولماذا تطير الطيور متحدية الجاذبية ونحن لا نطير؟ الإجابة تتطلب البحث عنها علي أرض الواقع واقعنا بالتحديد. فقد طار غيرنا بالفعل وحلق حتي وصل إلي القمر. الشباب قوة أي أمة وهم الذين يصنعون المستقبل. حسناً، لماذا يذهب شبابنا إلي الجامعة؟! لا تكن ذكياً وتتهم سؤالي بالغباء بدعوي أن الإجابة بديهية. تذكر أن سقوط الثمرة كان بديهياً لا يحتاج لسؤال. وهي أن هذه الطبيعة. لكن نيوتن رآها ناقصة فهي لا تشرح لنا ما الطبيعة؟! والإجابة البديهية عن ذهاب الطلبة إلي الجامعة هو التعلم، وهي إجابة صحيحة نظرياً ولكنها ناقصة لا تشرح لنا ما التعلم؟! هيا بنا نتحقق من هذا علي أرض الواقع وهي مسألة لا تتطلب أن نكون بعقل نيوتن. فقط انظر وصف ما تراه. ستجد عدة أسباب لذهاب الطالب للجامعة. الأغلبية تريد شهادة يتقدم بها لوظيفة ولأهل العروس، لا أن يتعلم لذا فهم إذا ذهبوا لا يحضرون الدروس وبعضهم يذهب مرة في الشهر لينقل المحاضرات. والبعض يذهب ليتعرف علي فتيات، وبعض الفتيات تبحث بينهم عن عريس، أو صديق للتأكد من أنوثتها أو لتستعرض ملابسها لتثبت أنها فاتنة أو حجابها ونقابها لتثبت أنها طاهرة. وبعض الطلبة يذهب كي يقوم المجتمع بأن يدعو أساتذته للفضيلة خاصة طلبة أولي حقوق، يريدون أن يغيروا القوانين والدستور لأنهم تعلموه في إعدادي وثانوي ومن الصحف فاكتشفوا عوراته، وبعضهم يذهب ليفرغ طاقاته المكبوتة في مظاهرات، يريد أن يكون زعيماً للطلبة يدعو لإسقاط النظام وتحرير القدس وتحرير مسيحية أسلمت والتنديد بمسلم تنصر ويدعو لإسقاط أوباما والغرب وكل هذا معاً في خطبة واحدة. مشي عنده 19 أو 20 سنة وطالب بالجامعة؟ وبعضهم يذهب لأنها الحجة الوحيدة ليأخذ مصروفاً من أسرته ليدخن البانجو ويقتل الوقت بالفرجة علي هذا الكرنفال! القلة هي التي تريد أن تتعلم شيئاً لكنهم لا يجدونه. فالسبب الظاهر لذهاب الأساتذة إلي الجامعة هو نقل علمهم وخبرتهم للطلبة. لكن الواقع أنه مكره أستاذك لا بطل. يذهب لأنه موظف. وبعضهم يعتبرونها وظيفة مؤقتة حتي يعثر علي عمل ببلد عربي ويذهب لينبه الطلبة لشراء كتبه التي يتكسب منها أو يتفق مع طلبته علي دروس خصوصية. وبعضهم يري في شهادة الدكتوراة وسيلة للظهور في وسائل الإعلام فتنتبه له الحكومة ويأخذ من هذا سلماً للوصول لمركز أو منصب أو وزارة، فإذا فشل يمكن أن يصبح من أبطال المعارضة وضيفاً دائماً في قناة الجزيرة أو قناة فضائية دينية أو جنسية. هل تريد أن نسأل ونجيب عن باقي فئات المجتمع؟ العمال والفلاحون والموظفون والمسئولون والفنانون والرياضيون الخ؟ اختصاراً للوقت راجع ما سبق. علينا أن نسأل عكس نيوتن لماذا لاتسقط الثمرة؟ سيرد أي فلاح لأنها مازالت فجة لم تنضج. هي مشروع ثمرة لم يكتمل بعد. لذلك لا يصح أن نسميها ثمرة ولكي تكتمل يجب أن يتوافر لها المناخ الملائم فنرويها ونرعاها. مشكلة مصر ليست الفقر . فرص الثراء فيها كثيرة وسهلة مشروعة أو غير مشروعة! ولكن هذا الثراء لا يغنينا ولا يطور حياتنا إلي ما ننشده. ومشكلتها ليس افتقاد الديمقراطية فربما من الخطأ أن نعتمد رأي الأغلبية دائماً دون النظر إلي الرأي الآخر مشكلتها ليست في نقص العلماء ولكن في عدم اعترافنا بالعلم. وليست في نقص المفكرين وإنما لأننا لا نعرفهم لجهلنا.. مشكلتنا أننا نطالب بكل شيء ونريد أن نشبه الأمم المتقدمة وفي نفس الوقت لا نريد أن نشبهها ولو من بعيد! نري أنفسنا خير أمة أخرجت للناس لذلك يحق أن نأخذ ولا نعطي. ولا نحترم من أعلم وأقوي وأعدل منا. بل علينا تقويم العالم ليصبح علي مثالنا رغم أننا نكره حكامنا ونكره بعضنا البعض وأقاربنا وجيراننا في نفس الشارع بل ونكره أنفسنا! لا أحد من الطلبة يريد أن يكون طه حسين بل هو يخشي علي عينيه من الضعف إذا قرأ كثيراً أو قرأ مثله شيئاً خارج المقررات أو خارج عن السائد المعروف فإذا ظهر عندنا من يشبه نيوتن، سيرحل إن عاجلاً أو آجلاً.. إلي بلاد الكفرة..