(1) النافذة..!!! صعد الخطيب المنبر، أخرج ورقة مطوية من جيبه، بعد أن حمد الله وأثني عليه، راح يقرأ سطورها في خشوع وتدبر: «وأطيعوا الله والرسول وأولي الأمر منكم». قرأ علينا الآية الكريمة مرات عدة، وهو ينظر إلي الرجل الجالس بجانبي في سعادة، والذي راح يحرك رأسه من أعلي إلي أسفل في بطء وكبرياء.. ظلت عين الخطيب تتقافز بين السطور، وما بين اللحظة والأخري ينظر تارة إلي الرجل الذي مازال يحرك رأسه من أعلي إلي أسفل في آلية منتظمة، وتارة أخري ينظر إلي الشباك الصغير والوحيد داخل المسجد، والذي نجحت أشعة الشمس في أن تخترق أعمدته الحديدية السميكة. صعد الخطيب المنبر، قال في سعادة وشجاعة، بعد أن حمد الله: «يعز من يشاء ويذل من يشاء بيده الخير إنه علي كل شيء قدير» راح يرددها خطيب المسجد، وهو ينظر في سعادة إلي النوافذ الكثيرة كبيرة الحجم المفتوحة علي مصراعيها، والتي امتلأت بها حيطان المسجد. (2) حرية.. حرية..!!! رأيته وهو يمشي في زهو وتفاخر.. لفت نظري شيء مهم جدا لا يجب السكوت عليه.. استوقفته.. رد عليه في عجرفة وكبرياء: - نعم.. فيه حاجة.. دنوت منه أكثر، ورحت أقول - في خجل - بصوت مهموس لا يسمعه غيره، بعد أن تلفت يمنة ويسري: - أنا عاوز أقولك إن سستة بنطلونك مفتوحة علي الآخر.. صرخ في وجهي: - أنا حر.. شعرت وكأن الأرض قد اهتزت من تحتي.. فجأة.. وجدت المارة وقد تجمعوا علي صوته.. غسلني خجلي، من جراء النظرات الحارقة للملتفين من حولي.. أردف يقول في زهو وثقة: - أنا حر يا أخي.. أفتح السستة علي آخرها.. أو اقفلها.. أو حتي أمشي من غير بنطلون خالص.. أنا حر.. واحنا في زمن الحرية.. انت ما سمعتش عن حاجة اسمها ثورة 25 يناير..!!! - هاء.. هاء.. هاء.. هاء.. هاء كرشه المنفوخ الممتد أمامه راح يعلو ويهبط كأرجوحة، من جراء ضحكاته المتتالية.. رويدا.. رويدا.. توقفت ضحكاته.. صمت برهة، وراح يحدق في وجهي الذي اغتسل بعرق خجلي، ثم راح يقول: - انت شكلك مش عاجبني.. شكلك كده فل.. أيوه فل من فلول النظام.. - هاء.. - هاء.. - هاء.. - هاء.. لفتني ضحكات المارة التي خرجت متوحدة.. قوية في وقت واحد.. رويدا.. رويدا.. وجدتني أنسحب كجندي هارب من معركة خاسرة.. رحت أخطو خطوات بطيئة متثاقلة وأنا أهذي كالمجنون.. - حرية.. حرية.. حرية..